حدث ترابط في أذهان اللبنانيين بين تفجيرات الأجهزة اللاسلكية و"البايجر" في الأيام الماضية وبين انفجار مرفأ بيروت في 4 آب (أغسطس) 2020. إذ أعادت إليهم المشاهد الدموية الموجعة التي عاشوها إبان ذلك الانفجار، والتي تركت جروحاً كان من الصعب أن تلتئم ولا تزال موجودة في قلوب كل منهم حتى اليوم.
وقد عادت تلك الكارثة الأليمة في إطار مختلف ربما، وتوزعت على مناطق عدة، إلّا أن تداعياتها على صحتهم النفسية ليست أقل. الألم ذاته يعود والخوف والصدمة، وكأن السنوات لم تمرّ على تلك الكارثة، فإذا بالمشهدية المختلفة لم تغيّر المشاعر المترتبة عنها أمام وجع آلاف المصابين المضرجين بالدم على أبواب المستشفيات.
المشاهد الدموية المستعادة
يبدو واضحاً أن الأثر النفسي لتلك لتفجيرات "البيجر" والـ"ووكي توكي" الصادمة، وما خلّفته من مشاهد دموية مروعة كبير. وبرز في تلك المشاهد صور مئات المصابين بأعينهم وأيديهم بشكل أساسي، ما جعلها تبلغ أعلى مستويات القسوة.
وقد تفاعل المواطنون اللبنانيون مع هذه الجريمة بطرق مختلفة، بحسب الاختصاصية في المعالجة النفسية جيزال نادر. إذ إن التركيبة النفسية لكل فرد تلعب دوراً ايضاً في طريقة تفاعله وتأثره بأحداث مماثلة، وإن كانت قاسية على الكل وموجعة.
وفي هذا المجال، ثمة تأثير أيضاً لعمر الفرد وما مرّ به من تجارب سابقة. وقد تؤدي تلك العوامل كلها دوراً في زيادة الأثر النفسي أو التخفيف منه إلى حدّ ما. وكان من الطبيعي ان تعيد مشاهد التفجير المفاجئ إلى أذهان اللبنانيين، تلك المشهديات المروعة التي ترتبت عن كارثة انفجار المرفأ، فقد أيقظت هذه المشاهد لديهم صدمة الانفجار. هذه التفجيرات وضمن الإطار الذي حصلت فيه، جاءت تفجيرات أجهزة الاتصال اللاسلكية على موجتين متتاليتين، بشكل مفاجئة وصادم أيضاً.
وبالتالي، فمن البديهي أن مثل هذه الظروف غير المتوقعة تترك أثراً أكبر لدى المواطنين. وبشكل عام، تستيقظ صدمة معينة بعد مرور فترة عليها، لأن العقل قد يحفظ ذكريات معينة لم تكن لها حلول، فتبقى راسخة فيه مع كل الوجع الذي يرافقها لأنها لم تُعالج. وتتخزن الذكريات المتشابهة معاً في مكان واحد، وما أن تكون هناك مواجهة لظروف مماثلة حتى تعود المشاعر نفسها والذكريات وتثير قلقاً وصدمة مماثلة.
تأثيرات متنوعة تشمل الأحلام
توضح نادر أن مثل هذه الصدمة تترك عادةً آثار واضحة، مثل حالة القلق وتجنّب الأماكن التي حصل فيها الحدث، واستعادة مشاهد منها والتعرّض لأحلام مزعجة؛ إضافة إلى تأثر الأكل والنوم وتكاثر ردود الفعل السلبية.
ويُعتبر الأشخاص الذين يعانون أصلاً حالة من القلق أكثر عرضة لارتفاع مستويات القلق، بعد حالات الصدمة النفسية، إلى حدّ كبير. إذ إنهم يكونوا عادة من النوع الذي يقلق بمعدلات كبرى بشأن المستقبل ويخططون له ويتخذون احتياطاتهم، ومن الطبيعي ان تستثير هذه الأحداث قلقهم كونهم يشعرون بفقدان السيطرة على الأمور. وقد يعاني هؤلاء، وفق نادر، صعوبات في متابعة حياتهم اليومية والذهاب إلى العمل، ويتعرّضون لنوبات هلع وتزيد مستويات القلق لديهم وغيرها من الأعراض المرافقة لذلك.
ماذا عن الأطفال؟
بشكل عام، يكتشف الأطفال كل ما يحصل ممن هم حولهم ومن أصدقائهم، ومن الممكن أن يتعرّضوا عندها إلى تداعيات لا يمكن الاستخفاف بها، منها حالة القلق والكوابيس. وبالتالي، ثمة أهمية لطمأنتهم وإبعاد القلق عنهم، عبر نقل المعلومة إليهم من دون تفاصيل مُثقلة ومن دون صور ومشاهد مزعجة لمن هم في مثل سنهم.
وكذلك يجب ألّا يتابع الأهل مثل هذه الأخبار بشكل متواصل أمام أطفالهم.
وتنصح نادر بألّا يتحدث الكبار باستمرار عن هذا الموضوع أمام الصغار، بل يجب مساعدتهم كي يتابعوا حياتهم والروتين المعتاد، بعد طمأنتهم بالشكل المناسب. هذا، ويجب أن يشعروا أن ثمة مكاناً آمناً يمكن ان يلجأوا إليه عند الشعور بالخوف بعيداً عمّا يحصل من كوارث من حولهم.
ما هي مؤشرات التأثير النفسي للصدمة؟
في حال التعرّض للصدمة خلال شهر يمكن التعامل مع تأثيراتها بشكل طبيعي. لكن إذا تخطّت هذه المعاناة مدة الشهر، لا بدّ من الاستعانة باختصاصي في العلاج النفسية لتخطّيها.
وبشكل عام، يبدو الإنسان قادراً على تخطّي الصدمات تلقائياً، لكن حينما تكون بهذا الحجم وأثرها كبيراً إلى هذه الدرجة، قد تكون هناك المزيد من الصعوبات في تخطّيها، وتبقى عالقة لتتحول إلى "اضطراب ما بعد الصدمة" Post Traumatic Stress Disorder، وهنا تظهر صعوبة فائقة في تخطّي ما حصل من دون مساعدة نفسية مناسبة.