قد لا تكون سبل الوقاية من سرطان الأطفال واضحة كما بالنسبة للسرطانات التي تصيب الراشدين. وثمة عوامل خطر متعددة ترتبط بنمط الحياة، وكثير منها يمكن التحكّم بها وتغييرها للحدّ من الخطر في ما يتعلق بسرطان الراشد. وتختلف الصورة مع سرطان الأطفال.
إذ يبدو أن العوامل الجينية التي يصعب التحكّم بها، من العناصر الأساسية المسببة للمرض. ووفق ما توضحه اختصاصية أمراض الدم والأورام لدى الأطفال في "مركز سرطان الأطفال في لبنان -سان جود"، الدكتورة دوللي نون، هناك علامات معينة يمكن أن يلاحظها الأهل لدى الطفل فتستدعي استشارة الطبيب بأسرع وقت ممكن لتشخيص المرض في مرحلة مبكرة في حال إإصابة الطفل به.
علامات مبكرة عن خطر داهم
يلاحُظ أن ثمة أعراضاً معينة يعانيها الطفل وتطول أكثر من العادة، وقد يرتبط ذلك بالإصابة بالسرطان أحياناً. لكن مما لا شك فيه أن هذه العلامات تختلف بحسب نوع المرض الذي أصاب الطفل. ومن اكثر أنواع السرطانات شيوعاً بين الأطفال، هو سرطان الدم أو لوكيميا وأورام الدماغ .والجهاز العصبي والأورام الخبيثة في الغدد اللمفاوية والعظام والبطن.
وبطبيعة الحال، تظهر أعراض معينة بحسب نوع السرطان. علماً أن طبيب الأطفال يطلب الفحص السريري الأول على أساس الأعراض، ثم يجري الفحوص الإضافية التي يمكن أن تؤكّد التشخيص:
-اللوكيميا: في هذه الحالة، يطال الورم نقي العظام المسؤول عن إنتاج خلايا الدم التي تحمل الأوكسيجين إلى الأعضاء وخلايا المناعة أيضاً. وبالتالي، في هذه الحالة يشعر الطفل بأوجاع في العظام أولاً. فقد يبدو أنه يعرج أو يرفض المشي بعدما كان يمشي سابقاً. كما يمكن أن تظهر لديه أعراض شحوب وتعب وأعراض أخرى ترتبط بالمناعة، حيث يكون عرضة لالتهابات متكررة والمرض مع ظهور بقع في الجسم. في هذه الحالة أيضاً من الممكن أن يحصل انتفاح أو تضخم في الغدد اللمفاوية.
-أورام الدماغ والجهاز العصبي: ترتفع معدلات الإصابة بها لكن معظمها حميدة. إلاّ أن الأثر الناتج منها، سواء كانت حميدة أو خبيثة قد يتشابه فتسبب، بحسب نون، أعراضاً تختلف بحسب موضعها.لكن الأعراض العامة هي وجع حاد في الرأس وتقيؤ. وقد يتمّ الخلط أحياناً بين أعراضها وأعراض مشكلات المعدة، فلا يعير الأهل هذه الأعراض الأهمية اللازمة. لكن من الأعراض اللافتة للنظر أيضاً الحول في العينين. فصحيح أنه طبيعي في الاشهر الأولى بالنسبة لطفل، لكن بعدها من الضروري استشارة طبيب لإجراء الفحوص اللازمة والتأكّد ما إذا كان ذلك يرتبط بوجود ورم او ما إذا كانت حالة طبيعية ترتبط بوجود مشكلة أو ضعف في عضلة العين. حتى أن هزة الحيط المستجدة قد تحصل نتيجة وجود ورم في الدماغ. وتلفت نون نظر الاهل إلى أن التغيير في شخصية الطفل من الأعراض التي يجب التنبّه لها أيضاً، ويمكن أن ترتبط بوجود ورم في الدماغ، إضافة إلى أن الطفل لا يكون بشكل طبيعي . ويبقى الأهم الالتزام بزيارات الطبيب الروتينية لملاحظة أي تغيير أو مشكلة يعانيها الطفل. علماً أن هذا النوع من الأورام قد يظهر قبل عمر السنتين ومن الممكن كشفه بالتصوير الشعاعي. هذا، وتشدّد على اهمية اللجوء إلى طبيب العين، في حال ملاحظة بقعة معينة في العين، تظهر بشكل خاص عند التصوير. فقد يدل ذلك إلى إصابة الطفل بسرطان في شبكية العين.
-أورام الغدد اللمفاوية: هي تصيب المراهقين عادةً، فيلاحظون وجود ورم في العنق من جهة ثانية أو أوجاعاً في العظام أو أي وجع يزيد حدّة ليلاً. ويسبب المرض تعباً للمراهق. كما يمكن أن يلاحظ وجود كتلة في اليد مع أعراض أخرى تؤثر على حياته وأوجاع يمكن أن تمنعه من اللعب.
-اورام في البطن: من الممكن أن يظهر في موضع الكلية أو فوقها. ويمكن أن يظهر انتفاخ في البطن وإمساك. كما قد يسبب أوجاعاً في العظام.
بالإضافة إلى ذلك، لا تشبه أورام الأطفال تلك التي تظهر لدى الراشدين. حتى أن أنواعها مختلفة. ومثلاً، توضح نون أن ورم شبكية العين لا يظهر لدى الراشدين. أما ورم الثدي فلا يظهر لدى الأطفال. كذلك تعتبر حالات الأورام في الجهاز الهضمي نادرة بين الأطفال.
هل تُعتبر نسبة التعافي مرتفعة بين الأطفال؟
تتخطّى معدلات التعافي نسبة 80 في المئة، وقد تصل إلى 95 في المئة في بعضها أو أكثر. ومع الوقت، تطورت العلاجات المتوافرة لهذه الأورام، فمنها الأدوية المناعية والموجّهة، وتلك التي تنخفض فيها الآثار الجانبية القصيرة أو البعيدة المدى. ويبقى الهمّ الأساس متمثلاً بالحدّ من الآثار الجانبية البعيدة المدى، إلى جانب الوصول إلى أعلى نسبة تعافٍ. وبالنسبة للأطفال، يجب إعطاء مزيد من الحرص على ألّا تتاثر وظائف الجسم في المدى البعيد، كالقلب او الخصوبة، ليتابع حياته بشكل طبيعي. من هنا أهمية وجود هذه العلاجات الجديدة الفاعلة التي لها آثار جانبية أقل.
لمحة عن مدة العلاج
في بعض الحالات، قد تكون الجراحة لاستئصال الورم وحدها كافية. وقد تظهر حاجة إلى العلاج الكيميائي أو/و الشعاعي بحسب نوع المرض. وتتراوح مدة العلاج عامةً بين شهرين وسنتين ونصف كحدّ أقصى، خصوصاً لدى علاج بعض أنواع اللوكيميا.
وفي كل الحالات، لا بدّ من التشديد على أهمية وعي الاهل والأطباء، بحسب نون، بمسألة الحرص على التشخيص المبكر. وقد لا يكون السرطان أكثر الأمراض انتشاراً بين الأطفال، إلّا أنه موجود ولا بدّ للأطباء أن يفكروا به لدى ظهور أعراض معينة وفي الفحص السريري الروتيني، خصوصاً أن انتشار السرطان في الجسم يكون سريعاً احياناً، حينما يكون من الأنواع الشرسة التي يجب عدم إضاعة الوقت فيها.
دور الوقاية
بالنسبة للأطفال، قد تلعب الوقاية دوراً أقل بالمقارنة مع الراشدين الذين يؤثر نمط الحياة في مدى تعرّضهم لخطر الإصابة بالسرطان. لكن حتى بالنسبة للأطفال من المهمّ الحرص على نمط حياة صحي يعتمد على ممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي صحي. وترتكز الوقاية بشكل أساسي على التشخيص المبكر عبر الحرص على الفحص الروتيني وإجراء فحص العيون وغيرها. وهنالك ضرورة لزيادة التنبّه لخطر الإصابة في حال وجود استعداد جيني للأورام الذي يؤدي دوره في 15 أو 20 بالمئة من الحالات.