في عز "الحرب الباردة" بين أميركا والاتحاد السوفياتي خلال القرن العشرين، أطلقت استوديوهات هوليوود فيلم "متيور" Meteor (1979) للممثل الأيقوني شون كونوري، ليتحدث عن استخدام صواريخ مزودة برؤوس نووية في قصف نيزك ضخم يتجه للاصطدام بالأرض ويحمل إليها الفناء الكامل.
وقد يتذكر بعض من عشاق السينما ذلك الفيلم، لدى قراءتهم الخبر الذي نقلت وكالة "أ ف ب" عن اختبار نهضت به وكالة الفضاء الأميركية "ناسا"، عن استخدام قنبلة نووية لحرف كويكب يتجه نحو الأرض.
وتضمن الاختبار تجربة عن تفجير هدف بحجم كرة زجاجية صغيرة بالأشعة السينية (أشعة إكس).
انقراض الديناصور والأشعة الأشد التماعاً
وتذكيراً، ففي عام 2022، نهضت وكالة "ناسا" باختبار فعلي للدفاع عن الكوكب الأزرق حينما دفعت الوكالة بمركبتها الفضائية "دارت" DART كي تصطدم بجرم فضائي يبلغ عرضه 160 متراً، ونجحت في تغيير مساره.
لكن الصدمة التي أحدثتها "دارت" التي كانت بحجم ثلاجة كبيرة، قد لا تكون كافية لجرم أكبر على غرار كويكب "تشيككسولوب" الذي بلغ عرضه حوالي عشرة كيلومترات. ويُعتقد أنه قبل 66 مليون سنة، ضرب ذلك الكويكب الأرض فأحدث سلسلة تغييرات بيئية أدخلت كوكبنا في فصل شتاء مديد قضى على ثلاثة أرباع الأنواع الحية، من بينها الديناصور.
ويحضر إلى الأذهان أيضاً، أن فيلم "أرماغيدون" Armageddon (1988)، بطولة بروس ويليس، قدم نصاً سينمائياً عن فريق أفراده متهورون وشجعان، يُرسلون إلى كويكب يبلغ عرضه ألف كيلومتر بهدف تفجيره وتفتيته باستخدام قنبلة نووية.
وينشر باحثون أميركيون هذا الأسبوع في مجلة "نيتشر فيزيكس" نتائج تجربة نجحت في تفتيت كويكب أصغر بكثير، إذ لم يزد عرضه عن 12 ملليمتراً، عبر تعريضه لدفقة من الأشعة السينية في أحد مختبرات "ناسا".
ووفق المُعِدّ الرئيسي للدراسة ناتان مور الذي يعمل في ذلك المختبر، فإن الآلة قادرة على إطلاق "الأشعة الملتمعة الأشد قوة" في العالم.
واستكمالاً، إن معظم الطاقة التي ينتجها الانفجار النووي تكون على شكل أشعة سينية. وحينما تفجَّر قنبلة نووية في الفضاء، لا يترافق ذلك مع موجة صدمة أو كرة نارية، بسبب غياب الغلاف الجوي.
وفي المختبر، أدت الأشعة السينية إلى تبخير سطح الكويكب الصغير بسهولة. ودفعت المادة المتبخرة الهدف في الاتجاه المعاكس.
وقد نجحت التجربة في إبعاد الهدف بسرعة 250 كيلومتراً في الساعة، مؤكداً "للمرة الأولى" النظريات التي تنبأت بحدوث مثل هذا التأثير.
واستخدم الباحثون نوعين من الكويكبات الصغيرة، أحدهما مصنوع من الكوارتز وآخر من تجميع مواد سيليكونية. وصمّموا نموذجاً يصلح لتجربة عن نجاح تفجير نووي في تغيير مسار كويكب يبلغ قطره أربعة كيلومترات.
بعيداً من الأرض، قريباً من كويكب الخطر
وبحسب ذلك النموذج، من المستطاع تفجير قنبلة بقوة 1 ميغاطن، أي أقوى بـ60 مرة من قنبلة هيروشيما، على بعد بضعة كيلومترات من الكويكب المستهدف فتحرفه عن مساره. وكذلك يفترض أن تكون تلك القنبلة على بعد ملايين الكيلومترات من الأرض.
ويُعدّ إجراء مثل هذه التجربة في ظروف حقيقية خطيراً ومكلفاً ومخالفاً لكل المعاهدات الدولية.
في المقابل، لا شيء يحول دون دراسة المسألة و"الاستعداد لمختلف السيناريوهات". فبحسب مور، تسود خشية في الأوساط العلمية مصدرها توفر أنواع كثيرة من الكويكبات والنيازك في مسارات قد تفضي إلى اقترابها من كوكبنا أو الارتطام به.
وفي تفصيل متصل، بيّنت "ناسا" أن الجرم الفضائي الذي استهدفته المركبة "دارت" في 2022، وهو الكويكب "ديمورفوس" الذي يعادل كومة هشة من المخلفات الكونية. وستعمل مهمة "هيرا" التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية والتي تغادر الشهر المقبل، على تفحصه تفحصاً أدقّ.
وقبل التجربة، أجرت الباحثة في "مختبر لورانس ليفرمور الوطني" في كاليفورنيا، ماري بوركي، عمليات محاكاة حاسوبية لاستخدام سلاح نووي بهدف حرف مسار كويكب.
ووفق "أ ف ب"، أبدت بوركي سعادتها لأنّ حساباتها تتوافق مع ملاحظات فريق "ناسا" الذي نهض بالتجربة. وتُظهر عمليات المحاكاة التي أجرتها أن هذا النوع من المهام يشكل أداة فاعلة في حماية كوكبنا من مخاطر فضائية متنوعة.