النهار

من يحمي اللبنانيين من اضطراب "بي تي أس دي" وقد خلخل الجيش الأميركي؟
كارين اليان
المصدر: النهار العربي
قد لا يظهر اضطراب ما بعد الصدمة مباشرة بعد أيام من بداية العدوان الإسرائيلي الموسّع على لبنان، إلّا ان هذا لا يُعتبر الحدث الأول الذي يتعرض له المواطن اللبناني مؤخّراً. فأي تداعيات لهذه الصدمات المتكرّرة عليه؟
من يحمي اللبنانيين من اضطراب "بي تي أس دي" وقد خلخل الجيش الأميركي؟
الغارات لا تهدم البيوت وحدها (أ ب)
A+   A-
يتعرّض المواطن اللبناني منذ سنوات عديدة إلى صدمات متتالية نتيجة الأزمات والأحداث الصعبة التي يمر فيها. ويُعرف ذلك المواطن بصفات الصمود والصلابة، ولكن يؤكد الخبراء أن الأزمات المتتالية والصدمات كلّها تجعل منه أكثر هشاشة من الناحية النفسية في الواقع، ولا تزيد صموداً كما يعتقد البعض. لا ذنب للمواطن اللبناني إلّا أنه وُجد في منطقة تشهد الكثير من الصراعات والحروب، وتحديداً في بلد تتكرّر فيه الأحداث الأمنية. وإذا بالإصابات الجسدية لا تعود هاجساً في هذه الحالة، ويصبح الهمّ الأساسي ّتلك الجروح النفسية التي يصعب أن تلتئم ولو مر عليها زمن. قد لا يظهر اضطراب ما بعد الصدمة مباشرة بعد أيام من بداية العدوان الإسرائيلي الموسّع على لبنان، إلّا ان هذا لا يُعتبر الحدث الأول الذي يتعرض له المواطن اللبناني مؤخّراً. فأي تداعيات لهذه الصدمات المتكرّرة عليه؟
 
عن اضطراب ما بعد الصدمة؟
 
،ترى الاختصاصية في المعالجة النفسية لانا قصقص أن اضطراب ما بعد الصدمة اهتزاز نفسي 
يتطور لدى الشخص بعد التعرض إلى تجربة صادمة فردية أو جماعية مهدّدة للحياة، مثل الحرب والاعتداءات الجنسية او الكوارث الطبيعية والحوادث أو غيرها. علماً أن اضطراب ما بعد الصدمة مصطلح استُخدم أولاً في عام 1980 بعد حرب فييتنام ومعاناة الجنود الأميركيين أعراضاً معينة بعد عودتهم إلى منازلهم وحياتهم الطبيعية.
 
 
أعراض اضطراب ما بعد الصدمة الأكثر شيوعاً؟
 
في اضطراب ما بعد الصدمة، غالباً ما يسترجع الإنسان الذكريات المرتبطة بالصدمة وكأنها تتكرر ويعود اليها باستمرار. يعاني أيضاً من كوابيس مع قلق مستمر ويقظة مفرطة وانفعال زائد أو ارتباك زائد أو تشاؤم وعزلة وشعور باليأس وتقلّبات في المزاج وفقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية.
كذلك يسترجع المكان الذي تعرض فيه للصدمة. أيضاً يتجنّب الأماكن والأنشطة التي تعزز تلك الذكريات المرتبطة بالصدمة. كما يفضّل عدم الحديث عن الحدث لتجنّب استعادة تفاصيله والتفكير به. حتى أنه يمكن أن يتعرض من يعاني اضطراب ما بعد الصدمة إلى أعراض جسدية بحسب قصقص، مثل ضربات القلب والدوخة.
 
هل من المتوقع أن تظهر أعراض اضطراب ما بعد الصدمة لدى المواطن اللبناني في المرحلة الحالية مع توسع العدوان وبعد تفجيرات الأجهزة؟
يظهر اضطراب ما بعد الصدمة عادة خلال أسبوع إلى ثلاثة أشهر من انتهاء الصدمة. بالنسبة للمواطن اللبناني لا يزال في قلب الصدمة والحرب، ولا يظهر الاضطراب الآن بل في مرحلة لاحقة.
 
عوامل معينة تزيد خطورة معاناة اضطراب ما بعد الصدمة
 
مما لا شك فيه، أن ثمة عوامل معينة تؤثر على تطوير هذا الاضطراب لدى البعض، مثل طبيعة الحدث وحدّته والاستعداد النفسي لدى الشخص ونظام الأمان الداخلي لديه. وتجدر الإشارة إلى أن اضطراب ما بعد الصدمة يظهر إثر أحداث صادمة ومهدّدة للحياة وللاستقرار النفسي. وتوضح قصقص، أنه لا يُعتبر كل من يتعرض للصدمة عرضة للإصابة باضطراب ما بعد الصدمة. وقد يختلف ذلك بحسب الخصائص الفردية والاجتماعية، وبحسب حدّة الصدمة وطبيعتها. فقد تكون عنيفة جداً كالتعرض لاعتداءات جماعية والحروب والعنف المنزلي والكوارث الطبيعية والحوادث الكبرى التي تتعرض فيها الحياة للخطر. حتى أن بعض التجارب الطبية قد تسبب هذا الاضطراب، كالخضوع إلى جراحة صعبة أو الإصابة بمرض. يضاف إلى ذلك الصدمات المرتبطة بفقدان شخص مقرّب.
 
وتشير قصقص إلى أن من يُعتبر أكثر عرضة للإصابة باضطراب ما بعد الصدمة:
- النساء قد يكن أكثر ميلاً للإصابة باضطراب ما بعد الصدمة، خصوصاً أن المرأة قد تتعرض أكثر للعنف المنزلي أو الاعتداء الجنسي وقد تحمل مسؤولية الأسرة.
-من لهم تاريخ من الصدمات المتكررة. 
-من سبق أن كانت لهم تجارب اضطرابات نفسية على أنواعها كالانفصام وغيره.
-من لا يتوافر الدعم اللازم لهم في المحيط.
-من عانوا إهمالاً في الطفولة.
-من يعملون في قطاعات معينة كالإنقاذ والقطاع الصحي.
-الجنود والمقاومون لأنهم يتعرضون باستمرار إلى مواقف مهدّدة للحياة.
كما يُعتبر النازحون حالياً أكثر عرضة للصدمات ولاضطراب ما بعد الصدمة بعد كل ما واجهوه.
 
هل بات اللبنانيون أكثر عرضة لمعاناة اضطراب ما بعد الصدمة؟
 
مما لا شك فيه أن للبنانيين تاريخاً حافلاً بالصدمات، ما يجعلهم أكثر عرضة لإصابات نفسية وآثار تؤثر فيهم إلى حدّ كبير، بدءاً من الاجتياح الإسرائيلي والحرب الأهلية والانفجارات المتكرّرة وسلسلة الاغتيالات وانفجار مرفأ بيروت والأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا. فكلها أزمات متنوعة ومختلفة تؤثر إلى حدّ كبير على البنية النفسية للمواطن اللبناني، وتجعله أكثر عرضة لاضطراب ما بعد الصدمة. كذلك لا تنكر قصقص أنه يتواجد للبنانيين نظام الدعم في المحيط، وهي نقطة إيجابية بالنسبة لهم، وإن كانوا يتعرضون عادةً لصدمات اجتماعية، بحيث يكون الكل عرضة للخطر أحياناً.

متى نلجأ إلى المساعدة النفسية؟
 
تبرز الحاجة إلى اللجوء إلى المساعدة النفسية حينما تنتهي الصدمة وتستمر الأعراض لأكثر من شهر، خصوصاً إذا تزايدت الأعراض مع مرور الأيام، وتمنع الشخص من القيام بأنشطته المعتادة ويتعرض إلى نوبات من الغضب والعدوانية مع صعوبة في التحكم بالنفس.
وكذلك الحال بالنسبة إلى وجود أفكار سلبية وأفكار انتحارية، وهنا من المهمّ التوجّه مباشرة إلى اختصاصي في المعالجة النفسية.
تجدر الإشارة إلى أنه في أيام الحرب والصراعات لا يُقدَّم العلاج النفسي، بل تكون هناك إسعافات نفسية أولية. وهذا ما تعمل عليه جمعية "مفتاح الحياة" وفق قصقص، لأن هذا المطلوب في حلقات دعم من دون تقديم علاجات نفسية في ظل وجود صدمات متتالية وعدم وجود أي مجال للعلاج النفسي.
في ذلك السياق، تُعتبر كل الأعراض المرافقة لهذه المرحلة طبيعية، طالما أننا لا نزال في ظل أجواء الحرب ولم ينته الحدث، بما أن الجسم يتفاعل مع الصدمة بشكل يؤمّن الحماية، فيظهر ذلك في أعراض كضربات القلب السريعة والقلق وألم رأس وضيق تنفس، نتيجة التفاعل مع الصدمة.
والحدث يُعتبر متكرراً بشكل يومي. أما عندما تنتهي الحرب، فيجري البحث في تأثيراتها وتداعياتها.

اقرأ في النهار Premium