هل قُدَّت سيارتك بسرعة هائلة واصطدمت بأخرى، لكنك بالكاد نجوت؟
هل عايشتَ زلزالاً وتخلخلت الأرض الثابتة تحت قدمك وانهارت مبانٍ من حولك، ربما حتى فوق رأسك، لكنك بقيت سالماً؟ هل استيقظت ليلاً على غارة جوية دمّرت في لحظة خاطفة منزلاً ملاصقاً لبيتك، وربما تصدّع منزلك أو أُطيح بجزء من جدرانه وأثاثه؟
ربما يجب التفكير بحوادث مزعزعة للوجدان على غرار الأنواع الآنفة الذكر، حينما نتحدث عن "اضطراب ما بعد الصدمة" Post-Traumatic Stress Disorder، واختصاراً "بي تي أس دي" PTSD، مع الإشارة إلى أن الحديث يدور عن صدمة نفسية مفاجئة وقوية ومزلزلة. لا أقل من التذكير بأن ذلك الاضطراب النفسي دخل إلى مسار الطب الحديث من بوابة الحرب الفيتنامية في ستينات وسبعينات القرن العشرين، حينما لاحظ الأطباء ظهور أعراض نفسية وجسدية مع من خاضوا غمار تلك الحرب، ومرّوا بلحظات بدا فيها الموت كأن لا نجاة منه، إضافة ربما إلى موت رفاق سلاح قربهم.
ليس كل شدّة تعني صدمة
لماذا أصرّت الكلمات السابقة على الحديث عن صور حوادث كبرى وعنيفة ومرعبة؟ لأنه يسهل الحديث عن أشياء قد تثير صدمة في النفس، لكن ليس كل واحدة منها قد تصل إلى مستوى الصدمة النفسية بالمعنى العملي لاضطراب "بي تي أس دي". مثلاً، تشير "منظمة الصحة العالمية" إلى أن قرابة خُمسْ البالغين من البشر يعانون أهوالاً وشدائد تضرب تركيبتهم النفسية- العقلية في أقل من أربعة في المئة من الناس يعانون أشكالاً متفاوتة الشدة من "اضطراب ما بعد الصدمة".
ولنلاحظ أيضاً أن اسم الاضطراب يُعلن بوضوح أنه يتعلق بحالات شدّة نفسية مفاجئة تصل إلى مستوى الصدمة المؤثرة على كل مجمل البنية النفسية والفكرية والإدراكية والسلوكية للشخص.
وبالتالي، إن كل ما يسهم في تمتين الوضع الطبيعي لمجمل البنية النفسية للإنسان، يُعتبر عنصر وقاية وصلابة. مثلاً، تعرّض الرئيس السابق دونالد ترامب لحادث من النوع الذي من شأنه تحريك "اضطراب ما بعد الصدمة"، لكن التأمل في الوضعية الإدراكية والفكرية والعاطفية والمعرفية، خصوصاً من زاوية الخبرات الحياتية لتلك الأبعاد، تجعل من المستبعد معاناته "اضطراب ما بعد الصدمة".
وبالطبع، إن العكس بالعكس. ولا يصعب إدراك ذلك على القرّاء.
أبرز أعراض "اضطراب ما بعد الصدمة"
تأسر اللحظة الخاطفة للصدمة المزلزلة مجمل الأبعاد النفسية- العقلية للمُصاب، وتهيمن على شطر طويل من حياته. يصلح ذلك الوصف مدخلاً مكثفاً لفهم أعراض "بي تي أس دي".
قبل المرور بسرعة على الأعراض، يجب التذكير بأن هذا الاضطراب النفسي- العقلي يتَّخِذُ مسارات متباينة في الشرائح العمرية المختلفة. ومثلاً، يحتاج الحديث عن إصابة الأطفال "بي تي أس دي" إلى شرح مستقل، وكذلك الحال بالنسبة إلى تفاوت الأعراض بين الفئات المختلفة سواء في العمر أو الجنس أو الخلفيات الاجتماعية والثقافية وغيرها.
من المستطاع إيجاز أبرز أعراض "اضطراب ما بعد الصدمة" على النحو التالي: