تتزايد حدة التوترات بين الصين وتايوان مع المناورات العسكرية الأخيرة التي أجرتها بكين، فيما تبقى هذه الأحداث محط أنظار العالم مع تداعيات قد تؤثر على الأمن في المنطقة. ولا شك في أن هذه العمليات تثير قلقاً عميقاً بشأن نوايا الصين، فهل تُمثل المناورات تحذيراً للجزيرة أم أنها خطوة نحو غزو محتمل؟
وأعلنت وزارة الدفاع التايوانية أنّها رصدت 153 طائرة حربية صينية حول الجزيرة.
والاثنين، أطلقت الصين مناورات عسكرية واسعة النطاق حول تايوان تحاكي ضربات على أهداف بحرية وبرية.
وجاءت هذه المناورات في إطار ما وصفته بكين بأنه "تحذير شديد اللهجة" إلى القوى "الانفصالية" في الجزيرة التي تحظى بالحكم الذاتي، إذ أكدت في ختامها أنّها لن تتخلّى "أبداً" عن خيار "استخدام القوة" لغزو الجزيرة.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية وو تشيان في بيان نُشر بعد اختتام المناورات: "نحن مستعدّون للعمل من أجل إعادة التوحيد السلمي بأكبر قدر من الإخلاص وبكل جهودنا". وأضاف: "لكننا لن نعد أبدا بالتخلّي عن استخدام القوة ولن نعطي أدنى مساحة لأولئك الذين يناضلون من أجل استقلال تايوان".
بدوره، قال المتحدث باسم الجيش لي شي في بيان إن المناورات التي أطلق عليها اسم "السيف المشترك 2024 بي" (Joint Sword-2024B) "اختبرت بالكامل قدرات العمليات المشتركة المتكاملة لجنودها" (وكانت آخر مناورات صينية واسعة النطاق قد أجريت في أيار/مايو، بعد ثلاثة أيام على تنصيب لاي تشينغ-تي وأطلق عليها -السيف المشترك 2024 أ- واستمرت يومين).
وأفاد لي بأن المناورات ركّزت على "دوريات الاستعداد القتالي البحري والجوي وحصار الموانئ والمناطق الرئيسية" و"الهجوم على أهداف بحرية وبرية".
وجاءت هذه المناورات بعد أيام قليلة من خطاب ألقاه لاي. فقد تعهّد الخميس "مقاومة الضم"، مشيرا إلى أنّ الجزيرة والبر الرئيسي للصين "ليسا تابعين لبعضهما البعض".
وفي هذا الصدد، قال المتخصص في الشؤون الصينية وارف قميحة لـ"النهار" إن المناورات التي أطلق عليها اسم "السيف المشترك 2024 بي" تهدف إلى "اختبار القدرات العملياتية المشتركة" للقوات، وتوجيه تحذير ضد "الأعمال الانفصالية لقوى استقلال تايوان".
وأكد قميحة لـ"النهار" ان الشق الثاني من المناورات يهدف لإرسال رسالة مفادها أن بـ"النسبة إلى الصين أي تهور لن يواجه الا بالرد المناسب وبقوة".
من جهته، قال تشيه تشونغ، الباحث في رابطة الاستشراف الاستراتيجي، وهو مركز أبحاث تايواني: "من خلال إرسال المزيد من سفن خفر السواحل للقيام بدوريات حول تايوان، تأمل بكين في ترسيخ وجودها لفرض سلطتها على المياه المحيطة بتايون".
وقال تشيه: "من خلال احتلالها للموقع في غرب المحيط الهادئ، فإن هدفها الرئيسي هو ضرب شرق تايوان، حيث يتم الحفاظ على القوة القتالية للجيش التايواني، مع التعامل أيضاً مع التدخلات المحتملة من قبل الجيش الأميركي".
وقال محللون إن بكين شرعت في جهود طويلة الأمد لإضعاف العزيمة التايوانية وبناء ميزة عسكرية من خلال الجمع بين الممارسة القتالية في العالم الحقيقي والدعاية المتوعدة التي تهدف إلى إرسال تحذير إلى تايبيه.
بدوره، قال جا إيان تشونغ، الأستاذ المشارك في العلوم السياسية في جامعة سنغافورة الوطنية إن التدريبات جزء من حملة الضغط المستمرة التي تشنها بكين ضد تايوان "لإخضاعها".
وأضاف تشونغ: "لقد استخدمت بكين أيضاً خطاب لاي كذريعة لأنهم حريصون على إظهار أنهم ليسوا المعتدين أو أنهم يسعون إلى تغيير الوضع الراهن من جانب واحد".
إلى ذلك، يرى قميحة في حديثه لـ"النهار" أن فوز لاي في أيار لا شك في أنه شكّل إزعاجاً لبكين، ولذا فإن السنوات المقبلة قد تشهد مستويات غير مسبوقة من التوتر بين الجانبين، إذ تتجه بكين نحو ممارسة كل أشكال الضغوط على تايوان، سواء الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
وفي هذا الصدد، يقول الأدميرال تانغ هوا قائد البحرية التايوانية إن الجيش الصيني "يستخدم استراتيجية الأناكوندا للضغط على الجزيرة". وأضاف في مقابلة مع مجلة "الإيكونوميست" أنه منذ انتخاب لاي في أيار فإن الجيش الصيني هو الذي يزيد من فرص نشوب صراع من خلال نشر المزيد من الطائرات الجوية والبحرية حول تايوان.
وحذر تانغ من أن القوات الصينية تزيد من وجودها "ببطء، ولكن بثبات" حول بلاده.
وتؤدي دوريات الجيش الصيني المتزايدة إلى إجهاد البحرية التايوانية، إذ تمتلك الصين ضعف عدد الفرقاطات وعشرة أضعاف عدد المدمرات. وغالباً ما تضطر تايوان إلى نشر 25-50% من سفنها القتالية لمجرد مجاراة الدوريات الصينية، وفقاً لتشنغ كون ما وتريستان تان، وهما باحثان دفاعيان تايوانيان.
وقال الأدميرال تانغ: "يحاول الجيش الصيني إجبار تايوان على ارتكاب الأخطاء، ويبحث عن أعذار لإثارة الحصار".
وحتى في الوقت الذي تمارس فيه القوات المسلحة التايوانية ضبط النفس، يعمل قادتها مع الحلفاء على كيفية إبقاء خطوط الاتصال البحرية مفتوحة في حالة فرض حصار.
ومع ذلك، شدد الباحث في الأكاديمية الصينية للدراسات العسكرية اللفتنانت كولونيل فو جنغنان في فيديو نشره الإعلام الرسمي على أن المناورات قد "تنتقل من التدريب الى القتال في أي وقت".
وأضاف: "في حال قام انفصاليو تايوان باستفزاز واحد، ستقدم عملية جيش التحرير الشعبي على خطوتها الأولى".