علم باكستان
عدلت باكستان دستورها بشأن اختيار قضاة محاكمها العليا وهي مسألة حساسة للغاية للحكومة المدعومة من الجيش العازم بحسب محامين وخبراء على إخضاع قضاة يعتبرهم متساهلين مع خصمه اللدود رئيس الوزراء السابق عمران خان.
وقال صلاح الدين أحمد المحامي لدى المحكمة العليا لوكالة فرانس برس: "مدى عامين، كانت العدالة شوكة حقيقية في خاصرة السلطة، وخصوصا الجيش"، مضيفا: "لقد توصلوا أخيرا إلى هذه الخطة لإخضاع القضاء".
و"هذه الخطة" هي مراجعة دستورية تم إقرارها فجر الاثنين بأغلبية صوت واحد فقط في نهاية مناورة سياسية طويلة.
وتابعت وسائل الإعلام ونشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي الجهود المبذولة لجذب الأحزاب الصغيرة التي أصبحت صانعة للملوك، في حين أشار اثنان من أعضاء مجلس الشيوخ إلى أن أقرباء لهم خطفوا لإجبارهم على التصويت لصالح التعديل.
مدى أسابيع، أعلنت الحكومة عن التبني الوشيك للتعديل الدستوري السادس والعشرين في باكستان.
ورغم عدم نشر النص أو مناقشته علنا، أعطت التسريبات فكرة عن مضمونه، ويبدو أنه تم تعديله إلى حد كبير عندما تم طرحه للتصويت.
"ضربة لسيادة القانون"
ندّد مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك بالتعديل "الذي تم اعتماده على عجل، بدون تشاور أو نقاش واسع النطاق"، معتبرا أنه "سيقوض بشكل خطير استقلال القضاء".
وردّت وزارة الخارجية الباكستانية على تلك "التلميحات التي لا أساس لها من الصحة" معتبرة أنها استندت الى "معلومات خاطئة".
كما أعربت لجنة الحقوقيين الدولية، وهي منظمة غير حكومية مقرها في سويسرا، عن قلقها إزاء النص الذي يسمح للبرلمان والحكومة باختيار رئيس المحكمة العليا و"يوجه ضربة لسيادة القانون وحماية حقوق الإنسان".
جاءت هذه التغييرات عشية تقاعد رئيس المحكمة العليا فائز عيسى الجمعة، وأجلت الحكومة تعيين بديل له.
وبموجب القوانين السابقة، كان من المفترض أن يحل محله تلقائيا منصور علي شاه، الذي يعتبر عموما محايدا سياسيا.
لكن شاه ألغى في تموز (يوليو) قرارا اتخذته لجنة الانتخابات ومنح عددا من المقاعد الشاغرة المخصصة للنساء والأقليات الدينية لحزب خان الذي فاز بأكبر عدد من المقاعد في انتخابات شباط (فبراير).
وينص التعديل أيضا على تمثيل حكومي أكبر داخل اللجنة المسؤولة عن تعيين أو تقييم أو معاقبة أرفع القضاة.
بالنسبة للجنة حقوق الإنسان الباكستانية، وهي منظمة غير حكومية رئيسية تدافع عن الحريات، فإن هذا الأمر "يصب في صالح الحكومة الحالية" ويتيح لها "السيطرة على القضاء".
ينص التعديل أيضا على إنشاء مجلس جديد للفصل في المسائل الدستورية التي تقع في صلب الخلافات بين الحكومة والمعارضة.
وتعتقد لجنة حقوق الإنسان الباكستانية أن هناك "مخاوف جدية بشأن مصداقية" المجلس "المهدد بأن يعوقه التدخل السياسي المباشر".
"سباق بين القضاة"
يحدّ التعديل الجديد من اتخاذ رئيس المحكمة العليا مبادرات، وهي صلاحية لطالما اعتبرت مفرطة في باكستان حيث يضطلع القضاة بدور سياسي واقتصادي وإداري مهم.
وقال الخبير القانوني أسامة مالك لوكالة فرانس برس إن "النضال القضائي قدم مبررا لإقرار هذا التعديل الذي لا يقوض استقلال القضاء فحسب، بل يهدد الحريات أيضا".
وتابع: "حتى أفضل حجج الحكومة تعني أن هدفها الحقيقي هو وضع القضاء تحت سيطرتها".
وأشار رئيس الوزراء شهباز شريف الاثنين إلى أن القضاة قاموا حتى بإقالة رؤساء وزراء ومسؤولين سياسيين.
واعتبر أمام البرلمان أن التعديل سيساعد في وضع حد "للمؤامرات التي أدت إلى إطاحة حكومات وإقالة رؤساء وزراء".
وخلصت محكمة مؤخرا إلى أن قرار عزل رئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو عام 1979 لم يحترم "شروط المحاكمة العادلة".
ورأى المحامي صلاح الدين أحمد أن المخاطر ستتزايد مع منح الحكومة صلاحية تعيين رئيس المجلس الدستوري.
وأوضح: "سيكون سباقا بين القضاة. سيحاولون إصدار أحكام مؤيدة للحكومة للحصول على المنصب".