النهار

صراع الكوريتين: متى الحرب؟
زعيم كوريا الشمالية وابتسامة نادرة أمام جنوده.
A+   A-

من فلسطين إلى لبنان مروراً بالسودان وأوكرانيا، تسيطر جبهات القتال على المشهد العالمي وتنقسم الدول في تحالفات بانتظار الرصاصة الأولى لتنطلق رسمياً الحرب العالمية الراقدة تحت رماد التصعيد.

بالونات قمامة، مناشير دعائية وعبر مكبّرات الصوت، تفجير طرقات حدودية، مسيّرات... تصعيد لا ينقصه إلا الضغط على الزناد. لم يكن الصراع بين الجارتين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية بهذه الحماوة منذ فترة طويلة في حين يشهد بشكل شبه يومي مناوشات واستفزازات من الطرفين. 

بين الكورتيين صراع قديم لم ينتهِ باتّفاق سلام إنّما بهدنة. وبعد مرور 74 عاماً على هجوم كوريا الشمالية على جارتها، لا يزال البلدان مقسومين بمنطقة منزوعة السلاح،  أي عملياً من الناحية الفنية في حالة حرب. فمن بيده يُطلق نيران القتال لتكون القارة الآسيوية مركز الحرب الشاملة؟

التهديد بالتهديد...
من "مسيّرة المناشير" الانطلاقة، آخر جولات التصعيد بين الجارتين. في 28 تشرين الأول (أكتوبر) 2024، اتّهمت كوريا الشمالية الجيش الكوري الجنوبي بأنّه أرسل طائرة بلا طيار فوق بيونغ يانغ لإلقاء مناشير دعائية، وهدّدت بـ"إخفاء الجنوب إلى الأبد" بحال حدوث "توغّل" آخر.

التصعيد الكبير أتى من شقيقة الزعيم الكوري الشمالي كيم يو جونغ، إذ قالت: "في حال حدوث موقف كهذا (دخول مسيّرة)، نودّ أن نرى كيف تنبح الكلاب القذرة في سيول".

سنة 1948، تأسّست كوريا الشمالية على يد كيم إيل سونغ وهو أول جيل من 3  من سلالة كيم جونغ أون، وأُعلنت في الجنوب جمهورية في العام نفسه. الجارتان اللتان تتشتركان في اللغة والثقافة كانتا مستعمرة يابانية من 1910 إلى 1945،  انقسمت إلى قسمين تقريباً على طول خط العرض 38 في نهاية الحرب العالمية الثانية. عام 1950، شنّت كوريا الشمالية هجوماً على الجنوب ليستمر الصراع 3 سنوات فانتهت الحرب بتوقيع اتّفاقية هدنة في 27 تموز (يوليو) عام 1953.


 

مع سيطرة التوتّرات طيلة هذه السنوات، اعتبر كيم في 9 شباط (فبراير) الجنوب   "العدو الرئيسي" لبلاده وألغى الوكالات التي تركّز على إعادة التوحيد وهدّد بتكريس هدف "الاحتلال الكامل وإخضاع واستعادة" الجارة الجنوبية في الدستور. الزعيم الشمالي أعلن أيضاً أن نظامه لم يعد يعترف بالحدود البحرية الفعلية بين الكوريتين، أو ما يُسمّى بـ"خط الحدود الشمالية".

كيم، صاحب القبضة الحديدية والشخصية الغامضة، يعيش في "عالمه" بين حكمه الديكتاتوري الذي تسلّمه عن والده كيم جونغ إيل رسمياً في 14 نيسان (أبريل) 2012 وترسانته النووية المحظورة دولياً، وما بينهما "الشراكة" مع الصين و"التحالف" مع روسيا. ومع شحّ الأخبار عن حياته، تشير تقارير إعلامية إلى أن جونغ أون من هواة كرة السلّة ورياضة التزلّج وأفلام الإثارة. ولعلّه انطلاقاً من هوايته، عازمٌ على نقل الإثارة إلى أرض الواقع. 

 

قراءة تحدّث عنها مراقبان لأوضاع كوريا الشمالية هما: روبرت كارلين، مسؤول كبير سابق في وزارة الخارجية الأميركية شارك في المفاوضات الأميركية الكورية الشمالية. وسيغفريد هيكر، مدير سابق لمختبر لوس ألاموس الوطني في الولايات المتحدة قام برحلات عدّة إلى محطّة يونغبيون النووية في الشمال بين عامي 2004 و2010.

فحذّرا في مقال بعنوان "هل يستعد كيم لحرب فعلية؟" عبر موقع "38 نورث" (المهتم بأخبار بيونغ يانغ) بتاريخ 11 كانون الثاني (يناير) 2024 من أن "الوضع في شبه الجزيرة الكورية أخطر ممّا كان عليه في أي وقت منذ أوائل حزيران (يونيو) 1950".

وأضافا: "قد يبدو ذلك دراماتيكياً أكثر من اللازم، لكنّنا نعتقد أن كيم جونغ أون اتّخذ قراراً استراتيجياً بالحرب مثل جدّه عام 1950. نحن لا نعرف متى أو كيف يخطّط كيم للضغط على الزناد، ولكن الخطر بالفعل يتجاوز التحذيرات الروتينية في واشنطن وسيول وطوكيو".

استند المراقبان في توقّعهما إلى ما أشارا إلى أنّه "تغيير عميق في تفكير الشمال بعد الفشل الدراماتيكي للقمّة الثانية لكيم في هانوي مع الرئيس الأميركي السابق والمرشّح الجمهوري دونالد ترامب عام 2019".

في المقابل، تؤكّد سيول الاستعداد للرد على أي استفزاز كوري شمالي برد "أقوى بأضعاف مضاعفة". وفي خطاب ألقاه بمناسبة رأس السنة الجديدة 2024، روّج الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول لسياسة "السلام من خلال القوّة". وفي آخر تصاريحه، هدّد وزير الدفاع الكوري الجنوبي شين وون سيك بنهاية نظام كيم إذا "اختار الخيار الأسوأ المتمثّل في شن الحرب".

 

جبهتان على صراع ثنائي...
وفق ما تقول صحيفة "ذا جابان تايمز"، "ضاعف كيم من برامجه للأسلحة النووية والصواريخ بعد عودته إلى بلاده خالي الوفاض من قمّته مع ترامب، بعد أن أمضى السنوات التالية في بناء ترسانة قوية يُعتقد أنّها قادرة على إيصال قنابل ذرّية إلى كوريا الجنوبية واليابان وحتى الولايات المتحدة".

حرب 1950، لم تكن بين الجارتَين فقط، إذ قاتلت قوّات أميركية إلى جانب سيول، أمّا الصين فأرسلت قوّاتها إلى جانب بيونغ يانغ. واليوم، ها هو التاريخ يتكرّر على نار التصعيد: حلف كوري شمالي مع بكين والأهم اتّفاقية التعاون الاستراتيجي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من جهّة، والحلف الثلاثي الأميركي – الياباني – الكوري الجنوبي بدعم "معسكر الغرب" من جهّة أخرى. مشهد متكامل قد يتحوّل إلى سهام نار بخطوة غير مدروسة، أو مدروسة لمَ لا؟!

ونقلت الصحيفة اليابانية عن المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية الذي عمل على نطاق واسع في قضايا شبه الجزيرة الكورية إيفانز ريفير، إن "موقف كيم العدواني واختباراته الصاروخية وتحرّكاته العسكرية النووية مدفوعة إلى حد كبير بمخاوفه من تعزيز التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وتوسيع التعاون الأمني الثلاثي مع اليابان"، مردفاً: "على الرغم من اللهجة اللاهثة لبعض الخبراء الذين يعلنون أن كوريا الشمالية تستعد للحرب إلّا أن هدف جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية هو البقاء وليس الانتحار".

 

 

بجولة اقتصادية سريعة، حذّرت وكالة "بلومبرغ" من أنّه برغم أن احتمالات نشوب حرب شاملة بين الكوريتين "منخفضة للغاية"، إلا أنّها "ليست صفراً"، مشيرة إلى أن "الصراع الشامل في شبه الجزيرة الكورية قد يحصد ملايين القتلى، ويكلّف الاقتصاد العالمي 4 تريليونات دولار في العام الأول، أو 3.9% من الناتج المحلي الإجمالي عالمياً، وهو أكثر من ضعف الأضرار التي سببتها الحرب الروسية على أوكرانيا".


على وقع طبول التصعيد هذه، السؤال المطروح واحد: متى الحرب؟ في الموازاة أيضاً، تكثر التساؤلات عن مدى سير روسيا والصين بالمغامرة الكورية الشمالية في حين تُسيطر قضايا ساخنة أخرى على المشهد الآسيوي، على رأسها قضية تايوان والصين والملف المستجد: إرسال قوّات كورية شمالية إلى روسيا للقتال ضد أوكرانيا. 

فمن ستفضّل واشنطن: سيول أو تايبيه؟ وماذا سيفعل ترامب إذا فاز؟ وهل سيستغل كيم غزواً صينياً لتايوان لإنجاز ضربته القاضية؟

اقرأ في النهار Premium