لم يمرّ إعلان الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول الأحكام العرفية مرور الكرام، ولم تشفع له ذريعة رصد تدخّل كوريا الشمالية في الشؤون الداخلية، التي عادةً ما تُستخدم لتبرير الممارسات السياسية المُستهجنة من قبل المعارضة، للتخفيف من وطأة التداعيات السياسية الداخلية والخارجية المترتّبة على إجراء اعتُبر "تهديداً للديموقراطية".
أعاد إجراء يون سوك يول كوريا الجنوبية إلى زمن الحكم العسكريّ الذي استمرّ منذ عام تأسيس البلاد 1948 وحتى أواخر ثمانينات القرن الماضي حينما انتقلت كوريا الجنوبية نحو النظام الديموقراطي، كونها المرّة الأولى التي تُعلن فيها الأحكام العرفية منذ العام 1980، وتذرّع بأنّه "سيقضي على القوّات السافرة المعادية للدولة والمؤيّدة لكوريا الشمالية".
وحاول الرئيس الكوري الجنوبي إعطاء إجرائه السياسيّ أبعاد الخطر الكوري الشمالي، لكنّ الباحثة البارزة في مركز العلاقات الدولية لشرق آسيا، ومقرّه ماليزيا، هيو تشيو بينغ، تُشير في حديث خاص لـ"النهار" إلى أنّ التعبير الذي استخدمه رئيس كوريا الجنوبية عن الجارة الشمالية اللدود "عادةً ما يُستخدم لكسب التعاطف" الجماهيري، وبمعنى آخر منح الأحكام العرفية شرعية شعبية.
لم تُرصد تهديدات محدّدة جديدة من كوريا الشمالية، وفي هذا السياق، تقول هيو تشيو بينغ: "لا علاقة لكوريا الشمالية أو لأيّ طرف خارجي" بما يحصل في الداخل الكوري الجنوبي، بل إنّ الأزمة سببها "اختلاف المقاربات السياسية الداخلية" بين الأحزاب المحلّية. وفي الإطار نفسه، تركّز التقارير على الأزمة السياسية بين الرئيس الكوري الجنوبي والمعارضة، وهي تتمحور حول الميزانية العامة.
وتميل التقارير للإشارة إلى أنّ الأزمات السياسية الداخلية التي تواجهها سيول تقف خلف التحرّك الرئاسي المعارض لمبادئ الديموقراطية والدستور المحلّي. وفي هذا السياق، تلفت هيو تشيو بينغ إلى أنّ يون سوك يول يعاني مرحلة سياسية "محبطة يخسر خلالها قوّة داخلية" ويلقى حزبه الانتقادات بسبب "الأداء غير الجيّد"، ويواجه تهماً مرتبطة بالفساد، "الواقع الذي دفعه" نحو فرض الأحكام العرفية.
وتلحظ هيو تشيو بينغ خطورة استعادة سيول ظاهرة الأحكام العرفية، وبرأيها، فإنّ سيول "قد تخسر مبدأ الديموقراطية"، ومع العلم أنّ كوريا الجنوبية عادت عن القرار ورفعت إجراء الأحكام العرفية، إلّا أنّ يون فاقم الأزمة السياسية الداخلية، وواجه معارضة داخل بيته الداخلي، إذ أفادت وكالة "يونهاب" للأنباء عن استقالة عدد من كبار معاونيه بشكل جماعي.
المعارضة هدّدت يون بعزله ما لم يتنحَّ، وفي حين يحتاج قرار العزل إلى تصويت ثلثي أعضاء الجمعية الوطنية التي تضم 300 عضو لصالح هذا القرار، يُفيد تقرير لـ"فايننشال تايمز" عن شغل المعارضة 192 مقعداً، وبالتالي فإنّ القرار يحتاج تصويت 8 أعضاء من حزب الرئيس الكوري الجنوبي، وبرأي هيو تشيو بينغ، فإنّ "المعارضة مرجّح أن تفوز بأيّ انتخابات مقبلة".
وفي سياق الانتخابات الجديدة المفترضة، والتي تحصل في غضون 60 يوماً في حال استقال الرئيس أو عُزل حسب "فايننشال تايمز"، ويُرجّح خبراء الشأن فوز المعارضة فيها، فإنّ الأنظار تتّجه نحو سياسات كوريا الجنوبية الخارجية، كون البلاد جزءاً من تحالف أميركي في شرق آسيا مواجه للصين وكوريا الشمالية، وفي هذا السياق، تؤكّد هيو "العلاقة الثابتة" بين سيول وواشنطن.
في المحصّلة، فإنّ أزمة سياسية داخلية عميقة تواجهها كوريا الجنوبية، ملعبها أبعد من قرار أحكام عرفية، لكنّها قد تكون باباً نحو تنفيس الاحتقان في حال إجراء انتخابات رئاسية جديدة، إلّا أنّ الظاهرة الأهمّ التي ترصدها نواظير المراقبين هي التهديد الحقيقيّ الذي واجهته الديموقراطية، والذي راح البعض بعيداً ليُشبّهه بسياسات كوريا الشمالية.