أدان العديد من الدول الأوروبية، وفي مقدمها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، الاعتداءات الإسرائيلية على قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (يونيفيل) العاملة في جنوب لبنان، حيث تدور معارك عنيفة بين الجيش الإسرائيلي و"حزب الله". وأثار فتح القوات الإسرائيلية النار على ثلاثة مواقع تابعة للبعثة الأممية ورفض الاتحاد الأوروبي تلك الانتهاكات تساؤلات حول العلاقة المضطربة بين بروكسل وإسرائيل. فماذا عن تعقيداتها ومستقبلها مع تولي البرلمان الأوروبي المنتخب حديثاً والمفوضين مهماتهم؟
تاريخ من التقلبات
تفيد القراءات بأن العلاقة المعقدة بين الطرفين لم تكن تاريخياً سهلة على الإطلاق، رغم أن إسرائيل، "الآسيوية" جغرافياً، تعتبر أحد مهود الثقافة الأوروبية، ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً جداً بأوروبا، سياسياً واقتصادياً وبشرياً، باعتبار أن سكانها بمعظمهم لديهم جذور أوروبية، فضلاً عن الدور البريطاني والفرنسي في إقامة الدولة العبرية.
ومع حرب غزة، ارتفعت وتيرة الانتقادات الموجهة إلى إسرائيل من دول مثل إيرلندا وفرنسا وبلجيكا والسويد وإسبانيا، توازياً مع الاعتراف بحقها في الدفاع عن نفسها، وشهدت العلاقات بين الطرفين توترات غير مسبوقة، خصوصاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسبب سلوكه الوحشي في حرب غزة وارتكاب مجازر بحق المدنيين ومنع دخول المساعدات إلى الفلسطينيين المشردين، حتى وصل الأمر بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى طلب وقف توريد الأسلحة إلى إسرائيل لإجبارها على وقف الحرب على غزة وعلى لبنان ، الطلب الذي أيده فيه رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز ونظيره السلوفيني روبرت غولوب.
خيارات الضغط
في هذه الأجواء، لجأ المسؤولون في بروكسل، مع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، إلى درس خيارات الضغط على إسرائيل، لكن يبدو بحسب مراقبين لتطور العلاقات بين الطرفين، أن الأطر محدودة، وعدا العقوبات على المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين، لا يزال الاهتمام ضئيلاً بتسطير عقوبات تجارية على إسرائيل رغم مطالبات إسبانية، مثلاً، بإعادة النظر في العلاقات معها في ضوء الوضع القائم، لا سيما أن اتفاقية شراكة شاملة موقعة بين تل أبيب وبروكسل حررت التجارة بينهما إلى حد كبير، وباتت دول التكتل تعتبر أكبر الشركاء التجاريين لإسرائيل.
وفي السياق، قال مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية جوليان بارنزدايسي في حديث صحافي إنه "يجب على الزعماء الأوروبيين استخدام نفوذهم الجماعي لثني إسرائيل عن التصعيد المستمر ودفعها نحو وقف إطلاق النار، ويجب أن يشمل ذلك أيضاً تعليق مبيعات الأسلحة لها ومراجعة اتفاقية الشراكة التي تشكل محور العلاقة بين البلدين ومصدراً رئيسياً للنفوذ الاقتصادي، مع أهمية العمل الوثيق مع دول الخليج العربي للضغط على الولايات المتحدة لاستخدام نفوذها على نتنياهو قبل فوات الأوان، مع تفعيل الدعوات إلى حل الدولتين".
ويفيد متابعون بأنه يغيب خلال المناقشات في الاتحاد الأوروبي الإجماع على صيغة مشتركة لإدانة التصعيد العسكري في الشرق الأوسط، وهذا ما يكشف كل مرة عن الخلافات بشأن إسرائيل، حتى أن المنسق الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل اضطر أخيراً للإدلاء ببيان شخصي. وفي خضم ذلك، تفيد المعلومات من بروكسل بأن العديد من دول التكتل تدعم تعامل إسرائيل العسكري مع "حزب الله" المصنف إرهابياً في عدد من الدول الأوروبية، والاتحاد غير قادر على اتخاذ إجراءات ملموسة لحل الصراع، وأن أقصى ما يمكن القيام به لا يرقى إلا إلى مستوى المناشدات الأخلاقية والتنديد، لكن التأثير محدود والوساطة ضعيفة. في المقابل، هناك من يعتبر أن مشكلة الاتحاد الأوروبي لا تكمن في الافتقار إلى النفوذ، بل إلى الإجماع الداخلي. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن دولاً مثل النمسا والمجر والتشيك وهولندا وبلغاريا المؤيدة بقوة لإسرائيل تمكنت من إضعاف مبادرات الاتحاد الأوروبي معتبرة أنها تنتقد إسرائيل انتقاداً مفرطاً.
الانتخابات الأوروبية أراحت إسرائيل
ومع تعدد الاعتبارات بالغة الدلالات، يرى محللون، أنه مع البرلمان الأوروبي المنتخب حديثاً، يمكن أن تكون القوى المناهضة لإسرائيل أضعف، كما أن مغادرة بوريل منصبه سيؤديان إلى حقيقة أن بروكسل ستصبح أكثر تحيزاً وأقل جدية ضد إسرائيل، أقله في الشكل.
وفي وقت يتلقى نتنياهو النصائح والمقترحات الأوروبية ، لكنه يتخذ قراراته بمعزل عنها، اعتبر الباحث السياسي توماس برغمان في حديث إلى "النهار" أن "النتائج التي حققها اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية تقلق أوروبا، وعليه فإن المتوقع أن تكون الأحزاب الممثلة في استراسبورغ أكثر وداً مع تل أبيب، لا سيما من كتل مثل المحافظين والإصلاحيين الأوروببين وحزب الهوية والديموقراطية وحزب الشعب الأوروبي. وكل ذلك على حساب حضور الأحزاب الأكثر معارضة لإسرائيل، وبينها حزب رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز المؤيد للتظاهرات الداعمة لفلسطين والحزب الشيوعي في البرتغال وكتلة اليسار التي تعتبر أن الصراع العربي الإسرائيلي هو نتيجة عقود من الاحتلال والتجاهل المنهجي للقضية الفلسطينية".
وفي هذا السياق أيضاً تبرز الخسائر التي مُني بها الحزب الاشتراكي في سلوفينيا الذي دعا زعيمه حكومة بلاده إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وكذلك حزب رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو الذي تقدم بعد الانتخابات الأوروبية باستقالته بعد أداء حزبه الضعيف، وهو الذي دخل في مناكفات مع مسؤولين إسرائيليين، بعدما قال إن على الحكومة في تل أبيب أن تثبت أنها لا تستخدم المجاعة كسلاح حرب، فضلاً عن حزب الخضر الفرنسي وحزب الرابطة الخضراء في فنلندا التي تتهم إسرائيل بالانتقام الجماعي ضد السكان المدنيين في غزة.