يوم الأربعاء، قدّم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خطة السلام الخاصة ببلاده والمعروفة باسم "خطة النصر". يُفترض بالأخيرة أن تشكل معبراً للمفاوضات المستقبلية مع روسيا والهادفة إلى وقف الحرب. تضمنت الخطة خمس نقاط أساسية وثلاثاً أخرى "سرية" مخصصة للمشاركة مع بعض الحلفاء.
لعل أبرز نقطة في "خطة السلام" طلب أوكرانيا الحصول على "دعوة غير مشروطة" من الحلفاء للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). وتشير النقطة الثانية إلى طلب تعزيز دفاعات أوكرانيا وتخفيف الغرب قيوده على كيفية استخدام كييف للأسلحة الهجومية التي تحصل عليها. تضمنت الخطة أيضاً مقترحاً لـ"حزمة رادعة غير نووية شاملة" على الأراضي الأوكرانية لحمايتها من أي تهديد عسكري روسي. لكن نوع هذه الحزمة غير واضح المعالم. ودعت الخطة الحلفاء إلى التوقيع على اتفاق خاص لحماية الثروات الأوكرانية واستثمارها بشكل مشترك من أجل تعزيز القوة الاقتصادية للبلاد. واقترحت النقطة الخامسة استبدال بعض القوات الأميركية بقوات أوكرانية في أوروبا، بفضل الخبرة القتالية التي اكتسبها الجيش الأوكراني من الحرب.
الميدان لا يقدم يد العون
عرض زيلينسكي هذه الخطة على شركاء بلاده في بروكسل وواشنطن. على العموم، قد تقابل هذه الخطة ببرودة لأنها تضمنت مطالب سبق أن رفضها الحلفاء. ويصعّب التقدم الروسي المستمر في الشرق مهمة أوكرانيا في إقناع الحلفاء بأي فكرة "تصعيدية". ولسوء حظ أوكرانيا، فإن لائحة الأفعال التي يمكن أن يرى الغرب فيها "تصعيداً" بمواجهة روسيا هي لائحة موسعة. حاولت كييف تهدئة حلفائها بشأن أن روسيا "لا تملك خطوطاً حمراء" حين هاجمت مقاطعة كورسك. في حديث إلى "بوليتيكو" الشهر الماضي، قال مسؤول أوكراني رفض الكشف عن اسمه: "لقد اجتزنا جميع تلك الخطوط الحمراء (والروس) أضعف من أي وقت مضى". إلى الآن، فشلت مهمة الأوكرانيين.
ربما لهذا السبب، بدأوا الحديث في الأشهر الأخيرة عن أهداف لا تشمل استعادة جميع الأراضي الأوكرانية بحسب حدود 1991 وإنما عن التفاوض من موقع قوة. لكن الخطة المقدمة تبدو أقرب إلى الموقف الأساسي لكييف، إذ إنها لا تتضمن تنازلات إقليمية. وربما يعتقد الغرب أن أي تعزيز إضافي للمساعدات العسكرية إلى أوكرانيا، فضلاً عن تخفيف القيود على طريقة استخدام الأسلحة الهجومية، قد تصعّب على روسيا القبول بالتفاوض لإنهاء الحرب.
حين سئل زعيم من آسيا الوسطى، مطلع على طريقة تفكير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عما إذا كان الأخير مستعداً للتفاوض أجاب: "حين يخبره جنرالاته أنه يخسر". مجدداً، لا يبدو أي من هذا واقعياً، فالروس يتقدمون في الشرق ولو ببطء، كما أن الجنرالات الروس قد لا يجرأون على تقديم تقييم كهذا حتى لو كان صحيحاً. ربما سيظل الرئيس الروسي يبحث عن الرجال المناسبين، أكان في الجيش أو في الحكومة، حتى يقدموا له خطة عملية رابحة.
اتفاق واسع النطاق على "عدم واقعيتها"
لطالما رفض الحلفاء، ولو بلغة ديبلوماسية لبقة، منح أوكرانيا العضوية الأطلسية في المستقبل المنظور. استعاضوا عن ذلك بوعود مبهمة مثل أن أوكرانيا ستسلك، حين "تنضج الظروف"، طريقاً مختصراً لدخول "الناتو"، أي من دون التزامها بـ"خطة عمل العضوية". كان هذا الرفض سبباً أساسياً لبروز توتر كبير (لكن قصير) بين أوكرانيا وحلفائها في قمة فلنيوس التي عقدها الحلف في صيف 2023. مجدداً، كرر الأمين العام للحلف مارك روته كلاماً مشابهاً حين تحدث الأربعاء عن "إيمانه الصلب بأن أوكرانيا ستصبح يوماً ما عضواً في الناتو".
ووصف جاستين لوغان، من معهد "كاتو"، خطة الرئيس الأوكراني بـ"الخيالية"، مشيراً إلى أن "الخطة الجديدة تبدو كأن زيلينسكي لا يزال يطالب بكل شيء على أمل إمكانية تحقيقه كل شيء". ورأى مدير مؤسسة "ماياك للاستخبارات" مارك غاليوتي أيضاً أن مطالب الخطة مبالغ بها وأنه من غير المرجح "أن تعجب" حلفاء كييف. على سبيل المثال، وحتى في ما يخص المقترح الأقل إثارة للتوتر، وهو استعداد أوكرانيا لإرسال قوات إلى أوروبا مكان بعض القوات الأميركية، لن تكون بروكسل راضية. وطرح أيضاً سؤالاً معقولاً عن كيف يمكن لـ"وعد" بالانضمام إلى "الناتو" أن يردع روسيا.
وفي الداخل الأوكراني أيضاً، برزت بعض الأصوات التي تحدثت عن صعوبة تطبيق تلك الخطة، بما أنها تعتمد بشكل كبير على نوايا الحلفاء. قال النائب عن "حزب التضامن الأوروبي" في البرلمان الأوكراني أوليكسي غونشارينكو إنه "وفقاً للخطة، يبدو أن على أحد ما أن يفعل كل شيء بالنيابة عنا".
هدف خفيّ لزيلينسكي؟
قد يتبين أن الخطة التي اقترحها زيلينسكي تضمنت عمداً مطالب عالية السقف لتهيئة الأجواء الأوكرانية أمام مستقبل صعب. نقل مراسل الشؤون الخارجية في صحيفة "ذا تايمز" البريطانية مارك بينيتس عن المدعي العام الأوكراني الأسبق يوري لوتسينكو قوله إن "زيلينسكي أراد الحصول على رفض رسمي من الغرب لخطته، قبل أن يبدأ التفاوض مع روسيا". وفي وقت رفض المحلل السياسي الأوكراني فولوديمير فيسينكو هذه المزاعم، لفت إلى أن زيلينسكي "رومنطيقي" لم يتخل عن أمل الانتصار على روسيا.
يظهر إلى الآن أن قلة في الغرب تشاطر زيلينسكي آماله، فهل يتغير ذلك بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية؟