النهار

ما موقع "بريكس" في النظام الدولي؟
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في منتدى أعمال "بريكس" يوم 18 تشرين الأول (أ ب)
A+   A-

كأن التاريخ دار دورة كاملة في 15 عاماً. سنة 2009، استضافت روسيا النسخة الأولى من مجموعة "بريك" التي ضمّت البرازيل وروسيا والهند والصين. في السنة التالية، اتخذت المنظمة اسمها النهائي "بريكس" مع انضمام جنوب إفريقيا إليها. اليوم، في 2024، تستضيف روسيا النسخة الأولى من مجموعة "بريكس" الموسعة.

 

حين عمد عالِم الاقتصاد جيم أونيل سنة 2001 إلى صياغة كلمة "بريك" للفت الانتباه إلى وتيرة النمو المرتفعة لدى هذه الدول، لم يكن يفكر على الأرجح في أن تلك المجموعة ستذهب إلى تأسيس منظمة تلعب دوراً بارزاً في النظام العالمي.

 

توسع مطّرد

نشأت المجموعة في أعقاب أزمة 2008 المالية، مع فقدان الثقة بالمؤسسات الغربية بسبب إخفاقها في تفادي انهيار الأسواق. شجعت على ذلك أيضاً مناعة الصين إلى حدّ بعيد بمواجهة تلك التداعيات. أرادت "بريكس" توزيع الصلاحيات والمسؤوليات المالية والاقتصادية بين الغرب والدول النامية خارجه. ومثلت سنة 2014 خطوة إضافية على طريق تعزيز التجانس بين أعضاء المجموعة من خلال تأسيس "بنك التنمية الجديد". بعد عشرة أعوام، تضاعف عدد المنتسبين إلى المجموعة التي باتت تُعرف باسم "بريكس بلس"، مع توقّع بانضمام المزيد من الدول إليها في المستقبل.

 

بين الغد 22 تشرين الأول (أكتوبر) و24 منه، تستضيف روسيا قمة "بريكس بلس" مع الترحيب بكل من الإمارات العربية المتحدة ومصر وإثيوبيا وإيران. وقبلت المملكة العربية السعودية الدعوة، لكنها أجّلت الانضمام الرسمي. وسيغيب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن القمة، على أن يمثل الوفد السعودي وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان بحسب التوقعات. ودعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر من 24 دولة أخرى تقدّمت بطلب الانتساب أو تفكر بخطوة كهذه، لحضور القمة في مدينة قازان. ومما ساهم في تعزيز نفوذ المجموعة بمرور الوقت، اعتبار الدول الفقيرة أن استجابة القوى المتقدمة لجائحة "كوفيد-19" كانت استجابة "غير عادلة"، كما كتب آدم غالاغر وأندرو شيثام في "معهد الولايات المتحدة للسلام" الخميس الماضي.

 

تطور

من بين ما ستركّز عليه القمة المرتقبة إسماع صوت "الغالبية العالمية"، أي النسبة الكبيرة من سكان العالم والدول التي لم تحصل على دور فاعل في صناعة القرار العالمي. تمثل الدول العشر اليوم في "بريكس بلس" نحو 45 في المئة من سكان العالم. ومن المتوقع أن يكبر هذا الرقم أكثر مع احتمال انضمام دول ذات تعداد سكاني كبير كإندونيسيا وتركيا إليها (الأولى تدرس الفكرة والثانية تقدمت بالطلب في أيلول/سبتمبر الماضي).

لقد انطلقت المجموعة من طموح يهدف إلى مشاركة المؤسسات الغربية في إدارة النظام العالمي، إلى طموح (ولو جزئي) بمواجهة أو استبدال هذا النظام بآخر مختلف. روسيا هي لاعب أساسي يقف خلف هذا المسعى المتطور، بعدما اصطدمت بالغرب في أكثر من محطة، بدءاً بحرب جورجيا الخاطفة سنة 2008، مروراً بضم شبه جزيرة القرم سنة 2014 والحرب المنخفضة الوتيرة في شرق أوكرانيا، وصولاً إلى الغزو الواسع النطاق للبلاد في شباط (فبراير) 2022.

 

للصين أيضاً دور بارز لا في توسيع طموح المجموعة وحسب، لكن أيضاً في منح هذا الطموح زخماً كبيراً. تجلّى ذلك بالتحديد في عهد الرئيس شي جينبينغ الذي وسّع دور الصين الخارجي عبر تأسيس عدد من المبادرات الدولية. وبرزت قوة "بريكس" تحديداً في التجارة الداخلية بين أعضائها، إذ ازدادت هذه التجارة بنسبة 56 في المئة خلال الفترة الممتدة بين 2017 و2022.

 

الحاضر الدائم

إن مساعي إطاحة الدولار عن عرشه تُعدّ الحاضرَ الدائم في قمم "بريكس" أو في تصريحات كبار قادة دول المنظمة. يصح ذلك خصوصاً في ظل العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بسبب غزو أوكرانيا. سنة 2023، دعت البرازيل إلى إنشاء عملة خاصة بدول المجموعة. وقال بوتين أيضاً في القمة الماضية إن "الهدف، المسار غير القابل للرجوع عنه في التخلص من الدولار يكتسب زخماً".

 

لكن كما نقلت "رويترز" عن بيانات بنك التسويات الدولية، لا يزال الدولار يشكّل جانباً واحداً من نحو 90 في المئة من معاملات النقد الأجنبي العالمية. كذلك، ثمة مخاوف من أن يؤدي تخفيف الاعتماد على الدولار إلى اعتماد متزايد على اليوان، بحسب تحليل آخر لشركة "ناسداك".

 

بين التضخيم والتجاهل

التحليلات التي تقول إن المنظمة تمثل تهديداً للنظام الدولي بقيادة أميركا مبالغٌ بها، أقله بحسب المعطيات الحالية. وقال كثر إن المنظمة هي “Brics without mortar” في تلاعب لفظي بكلمة "بريكس"، للإشارة إلى أن المنظمة تفتقر إلى التلاحم: "طوب من دون ملاط". لكن هذه الآراء غير دقيقة هي الأخرى. تكمن الحقيقة على الأرجح في منزلة بين منزلتين.

 

لفت ألكسندر غابويف وأوليفر ستيونكل من مؤسسة "كارنيغي"، في مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز" الشهر الماضي، إلى أن وجود "بريكس" يعكس شكاوى حقيقية من غياب العدالة في النظام الدولي، كما رغبة واضحة في عبور آمن لعالم متعدد الأقطاب. لكن في المقابل، ثمة خلاف حقيقي في الرؤى بين دول لا تريد للمجموعة أن تتحول إلى قطب معادٍ للغرب كما هي الحال مع الهند والبرازيل، وبين دول أخرى تريد تغيير النظام الدولي مثل الصين وروسيا.

 

بحسب غابويف وستيونكل، والأخير خبير في شؤون "بريكس"، إن توسيع المجموعة الذي تريده روسيا والصين وتعارضه الهند والبرازيل – مخافة ذوبان نفوذهما فيه – قد يزيد من التشققات في المنظمة. مع ذلك، لم يرجحا أن تؤدي الخلافات إلى تفكيك "بريكس" كما توقع كثر.

 

اقرأ في النهار Premium