أعلنت رئيسة مولدافيا المنتهية ولايتها والمؤيّدة لأوروبا مايا ساندو فوزها مساء الأحد في الانتخابات الرئاسية التي جرت في ظل مخاوف من تدخّل روسي.
وقالت ساندو في خطاب ألقته في مقر حملتها الانتخابية "مولدافيا، لقد انتصرتِ! اليوم أيّها المولدافيون الأعزاء، لقد أعطيتم درساً في الديموقراطية يستحق أن يُدوّن في كتب التاريخ. اليوم أنقذتم مولدافيا".
وتصدّرت ساندو الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بحسب النتائج التي نشرتها لجنة الانتخابات مساء الأحد إثر فرز 93% من الأصوات.
وحصلت المرشّحة البالغة 52 عاماً على 50,9 بالمئة من الأصوات، بينما حصل المرشّح المدعوم من الاشتراكيين الموالين لروسيا ألكسندر ستويانوغلو على 49,1 بالمئة.
وبعدما كان ستويانوغلو متصدّراً في بادئ الأمر، انعكس الاتجاه لاحقاً مع استكمال فرز الأصوات.
وشكرت ساندو "جميع من آمنوا بالديموقراطية" مخاطبة أنصارها الذين تجمّعوا في مقر الحملة في العاصمة كيشيناو. وكان منافسها قد دعا في وقت سابق إلى التزام "الهدوء أياً تكن النتائج النهائية".
وهنأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأحد ساندو على "إعادة انتخابها رئيسة لمولدافيا"، مشيداً بـ"انتصار الديموقراطية" على "كل التدخّلات وكل المناورات".
وكتب عبر منصّة "إكس" أن "فرنسا ستواصل الوقوف إلى جانب مولدافيا في مسارها الأوروبي".
من جهّتها، هنّأت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين مساء الأحد ساندو على إعلان إعادة انتخابها.
وكتبت فون دير لايين عبر "إكس" مخاطبة ساندو "يتطلب الأمر نوعاً نادراً من القوّة للتغلّب على التحدّيات التي واجهتِها في هذه الانتخابات. تسعدني مواصلة العمل معكِ من أجل مستقبل أوروبي لمولدافيا وشعبها".
وبعد أسبوعين على استفتاء بشأن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي فاز فيه المؤيدون لهذا التكتل بفارق ضئيل، أدلى المولدافيون بأصواتهم الأحد لاختيار رئيسهم وتأكيد مستقبلهم الأوروبي أو رفضه، في الدورة الثانية من انتخابات جرت في ظل مخاوف من تدخّل روسي.
وتواجهت ساندو المؤيّدة بشدة للغرب والتي ابتعدت عن موسكو بعد أن غزت أوكرانيا الواقعة على حدود مولدافيا، مع المدّعي العام السابق ألكسندر ستويانوغلو المدعوم من الاشتراكيين المؤيّدين لروسيا.
وتوقّع المحلّلون في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية معركة شرسة تهيمن عليها كما في الانتخابات التشريعية التي جرت في جمهورية سوفياتية سابقة أخرى هي جورجيا، مخاوف من تدخلات روسية بالرغم من نفي الكرملين الحازم.
وتصدّرت ساندو بفارق كبير الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 20 تشرين الأول (أكتوبر) بحصولها على 42,5% من الأصوات، مقابل 26% لستويانوغلو، لكن خصمها عوّل على دعم عدد من المرشّحين الصغار.
"بطاقات اقتراع نزيهة"
خلال المرحلة ما بين الدورتين، كثّف المعسكر الرئاسي حملته على شبكات التواصل الاجتماعي وفي القرى سعياً للتصدّي لعمليات مكثّفة لشراء الأصوات ندّدت بها السلطات في الاستفتاء مشيرة إلى أنّها أثّرت على النتائج التي جاءت أكثر تقارباً مما كان متوقّعاً إذ فاز مؤيّدو الانضمام بغالبية اقتصرت على 50,35%.
وفي رسالتها الأخيرة إلى 2,6 مليون مولدافي، دعت الخبيرة الاقتصادية السابقة في البنك الدولي إلى التعبئة حتى تكون الكلمة الأخيرة "لبطاقات الاقتراع النزيهة".
وأفادت الشرطة بتنظيم رحلات جوية وحافلات لنقل الناخبين المولداوفيين بين روسيا وبيلاروسيا وأذربيجان وتركيا.
وبعد الإدلاء بصوتها، أكّدت ساندو "اليوم أكثر من أي وقت مضى، علينا أن نتّحد، وأن نحافظ على السلام، وأن نحمي أصواتنا، وأن نحمي استقلالنا".
وأضافت "يريد اللصوص شراء أصواتنا، ويريدون شراء بلدنا، لكن قوّة الشعب أعظم بكثير من أي من أفعالهم غير المشروعة".
في المقابل، وعد ستويانوغلو الذي غالباً ما يستخدم كلمات روسية في خطابه، بأنّه سيكون "رئيس الجميع" داعياً إلى سياسة خارجية متوازنة "لا تقسم المجتمع".
وعند حضوره إلى مركز اقتراع برفقة زوجته وابنتيه، دعا إلى "مولدافيا لا تتسوّل بل تطوّر علاقات متناغمة مع الشرق والغرب في آن".
من جهّته، قال عضو كبير في مجلس الاتحاد الروسي وحليف للرئيس فلاديمير بوتين إن أصواتاً "جُلبت" لمساعدة ساندو في الفوز.
"ثمن باهظ"
ويشهد هذا البلد الفقير الذي يعوّل على المساعدات الأوروبية، استقطاباً شديداً.
في كيشيناو، أبدت المتقاعدة أكسينيا البالغة 56 عاماً طالبة عدم كشف اسمها، أسفها إذ "لا تزال بقايا سوفياتية تطبع حتى العظم" هذه الجمهورية السوفياتية السابقة.
من جانبها، أوضحت ناتاليا غرايديانو (56 عاماً) المقيمة في إيرلندا حيث تنظّم حفلات أعراس وقدمت إلى مولدافيا للإدلاء بصوتها، متحدّثة لـ"فرانس برس": "نحن بلد صغير بقلب كبير، نريد أن تكون أوروبا بيتنا".
في المقابل، ترفض زينوفيا زاهاروفنا (75 عاماً) الذوبان في الاتحاد الأوروبي وتتمسّك بضرورة البقاء "مستقلّين" والحفاظ على "السلام".
وأوضح أندري كورارارو من مجموعة "واتشدوغ" للدراسات لـ"فرانس برس" أن "كثيرين يخشون الانجرار إلى الحرب"، وسيختارون بالتالي "مرشّحاً على توافق مع موسكو، إذ يرون في ذلك ضمانة بعدم التعرّض لهجوم".
وتابعت بروكسل وواشنطن هذه الانتخابات من كثب وأبدتا مخاوف من محاولات روسية لإثارة بلبلة خلال الانتخابات.
وقبل موعد الاقتراع، أفادت الشرطة بحصول حملات تضليل إعلامي مكثّفة من خلال رسائل إلكترونية مزوّرة وتهديدات بالقتل، في ما وصفه رئيس الوزراء دورين ريسيان بأنّه "هجوم عنيف" يهدف إلى "زرع الهلع والخوف" وردع الناخبين عن التوجه إلى مراكز الاقتراع.
ورأى خبير مجموعة "واتشدوغ" أن مولدافيا "تدفع ثمناً باهظاً" لقرارها قطع الروابط مع موسكو.
وأوضح أن "الضغوط غير مسبوقة والأموال التي تنفق لتنفيذ أنشطة زعزعة الاستقرار هذه هائلة"، متحدّثاً عن مبالغ إجمالية تفوق مئة مليون دولار.
والهدف على حد قوله هو إعادة البلاد إلى "فلك موسكو".