النهار

عنف أمستردام يُعيد أوروبا إلى زمن "النازية ومعاداة السامية"... صراع الشرق الأوسط يُصدَّر إلى الخارج
جاد ح. فياض
المصدر: النهار
عاد شبح العنف إلى أوروبا من بوابة أمستردام، إثر اندلاع اشتباكات عنيفة بين إسرائيليين وآخرين مؤيّدين للقضية الفلسطينية على هامش مباراة كرة قدم، بعد استفزازات قام بها مشجعو نادي "مكابي تل أبيب" وتمزيق أعلام فلسطينية، ونتج عن الإشكالات الواسعة عدد من الإصابات وتوقيف العشرات وفق شرطة أمستردام، وتحرّك الجيش الإسرائيلي.
عنف أمستردام يُعيد أوروبا إلى زمن "النازية ومعاداة السامية"... صراع الشرق الأوسط يُصدَّر إلى الخارج
جمهور مكابي تل أبيب.
A+   A-
عاد شبح العنف إلى أوروبا من بوابة أمستردام، إثر اندلاع اشتباكات عنيفة بين إسرائيليين وآخرين مؤيّدين للقضية الفلسطينية، على هامش مباراة لكرة قدم، بعد استفزازات قام بها مشجعو نادي "مكابي تل أبيب" وتمزيق أعلام فلسطينية. نتج عن الإشكالات الواسعة وقوع عدد من الإصابات، وتوقيف العشرات، وفقاً لشرطة أمستردام، كما تحرّك الجيش الإسرائيلي.

توازياً مع الإجراءات الأمنية والسياسية في هولندا وإسرائيل، تحرّك الإعلام سريعاً وصوّر الحدث اعتداءً "ضدّ السامية"، كحالة كلّ عنف يُمارس ضد اليهود، فيما تقاطعت التقارير، ومنها ما صدر عن وسائل إعلام عبرية، على أنّ الإشكال جاء ردّة فعل على الاستفزاز الإسرائيليّ بتمزيق أعلام فلسطينية مرفوعة.

لكن، لم يكن هذا الحدث محصوراً بالإشكال الموضعي الذي حصل، بل أعاد إلى الأذهان ظاهرة العنف ضد الإسرائيليين واليهود في أوروبا، وطرح السؤال: "هل سيصدّر الصراع في غزّة والضفة الغربية إلى العواصم الأوروبية، فتتكرّر مشاهد العنف بين فلسطينيين وإسرائيليين؟ وكيف ستتعاطى أوروبا المسكونة بقلق الاعتداء على اليهود معها؟

تكرّرت هذه الأحداث في الأشهر السابقة، ولا ينفصل إشكال أمستردام عن سياق العنف المتصاعد. وبرأي مصطفى الطوسة، الإعلامي والمحلل السياسي من فرنسا، يعود منسوب العنف المرتفع إلى الانقسام الحادّ داخل المجتمع الأوروبي بين داعمي إسرائيل ورافضي تحيّز أوروبا وعجزها أمام الإبادة المرتكبة في غزّة، متوقعاً تطوّر هذه الأحداث خلال المرحلة المقبلة.

تاريخ صعب
يسكن القارةَ العجوز هاجسُ الاعتداء على اليهود، والقلق من اتهام الأوروبيين بمعاداة السامية، والعودة إلى زمن النازية والهلوكوست. في هذا السياق، يتحدث خطّار أبو ذياب، أستاذ العلاقات الدولية، عن "تاريخ صعب" عاشته أوروبا التي تستذكر مشاهد مطاردة اليهود في الشوارع مع كلّ إشكال، وتخشى أن يُعيد التاريخ نفسه.

ويتّفق أبو ذياب والطوسة على القلق الأوروبيّ من تصدير الصراع العربي الإسرائيلي إلى أوروبا. يقول أبو ذياب لـ"النهار": "ستصبح كلّ مناسبة، كلّ مباراة كرة قدم، محطّ متابعة نظراً لجو التوتر العام السائد وتصاعد مشاعر الكراهية بين المجموعات"، فيما يلفت الطوسة إلى الانقسام المجتمعي بين دعم أوروبا لإسرائيل والتحيّز لها، ورفض العجز الأوروبي حيال الصراع في غزّة.

إلى ذلك، يتوقف المتابعون عند عناوين الصحف الأجنبية والأوروبية التي سرعان ما اتهمت مؤيّدي فلسطين في إشكال أمستردام بمعاداتهم للسامية، وتحميلهم مسؤولية ما حصل، علماً أن روايةً تبنّاها إعلام إسرائيلي يتهم جمهور "مكابي تل أبيب" بالبدء في أعمال الشغب، وتمزيق الأعلام.

في هذا السياق، يقول الطوسة لـ"النهار" إن خلف الموقف السياسي الإعلامي "صدمة تاريخية تستعيد ذكرى حقبة النازية والاضطهاد الذي تعرّض له اليهود حينها"، في حين يُشير أبو ذياب إلى منسوب الكراهية المتصاعد في أوروبا، مضيفاً إلى العامل الفلسطيني – الإسرائيلي عوامل أخرى، "كخشية المجتمع الأوروبي من المجتمعات التعدّدية مع توسّع رقعة المجتمع الإسلامي" في أوروبا إثر الهجرة.

مبالغة إسرائيلية
من جهة إسرائيل، انتقلت المؤسسات السياسية والأمنية إلى حالة طوارئ مفاجئة، وأُعلن عن عمليات إجلاء وتدخّل الجيش الإسرائيلي مباشرةً بمتابعة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في ردة فعل يصفها أبو ذياب بـ"المبالغ فيها"، لكنّه ينسبه إلى سببين: "الأول هو الخوف من تكرار تجارب تاريخية كخطف رياضيين إسرائيليين في ميونيخ، والثاني هو استغلال الأزمة لأسباب سياسية إعلامية، تخدم الرواية الإسرائيلية".

لم تتمكّن أوروبا من تفادي أعمال العنف وحتى الحوادث الإرهابية، وأثبت العقد الماضي هذه النظرية، بسبب الحدود المفتوحة واستقبال المهاجرين. وإذ يرى الطوسة أنّ ديناميكية العنف ستستمرّ إلى أن تتوقف الحرب، فإن أبو ذياب يُشدّد على أهمية حل المسألة من جذورها، لكنه يرد الأمر كله إلى "العنف المتأصّل" في أوروبا وعمليات "استقطاب الجمهور وتزايد مشاعر الكراهية" بين المجتمعات الأوروبية والتغيّرات الديموغرافية، وكلها عوامل لا تخدم الاستقرار الأمني.

في المحصّلة، أعاد الإشكال في أمستردام إلى أوروبا ذكريات ماضٍ لم تتمكّن القارة العجوز من التخلّص منه، رغم كلّ تقديماتها لإسرائيل. وأثبت أنّ الصراع في الشرق الأوسط قابل للتصدير إلى أكثر عواصم العالم استقراراً، كونها لم تؤدِّ دوراً محورياً في اجتراح الحلول، إنما عزّزت الانقسامات والحروب على حساب الديبلوماسية والسياسة بطريقة أو بأخرى.

اقرأ في النهار Premium