غير أن الاحتفالات المنظمة في نهاية هذه الأسبوع تصبّ جلّ تركيزها على الرمزية الكبيرة لهذا الحدث الذي وقع في تاريخ 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 1989.
وهو كان "يوما سعيدا" يذكّرنا أيضا بأن "الحرّية والديموقراطية لم تكونا دوما من المسلّمات"، بحسب ما قال رئيس بلدية برلين المحافظ كاي فيغنر خلال مراسم حضرها أيضا الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير.
وتندرج هذه الفعاليات تحت شعار "صون الحرّية" الذي يلقى صدى خاصا في وقت تشهد الديموقراطية تراجعا في العالم الذي ما زالت الحروب تمزّقه، كما الحال في أوكرانيا وغزة.
وهي تأتي في وقت انهار فيه الائتلاف الحكومي بقيادة أولاف شولتس إثر إقالة وزير المالية الليبرالي مساء الأربعاء، فدخل أوّل اقتصاد أوروبي فترة من الضبابية.
وأعربت يوتا كروغر (75 عاما) التي تقطن في ما كان يُعرف سابقا ببرلين الغربية عن "الأسف" لسقوط الائتلاف الحكومي في هذا الوقت بالتحديد.
وقالت "رغم ذلك، ينبغي لنا الاحتفال بسقوط الجدار. فهذا الحدث كان جدّ مهم لسكان برلين ولأولئك القاطنين في ألمانيا الشرقية".
قيم 1989
وفي تسجيل مصوّر نشر الجمعة، صرّح المستشار الألماني أولاف شولتس أن قيم 1989 المثالية "لا يمكن اعتبارها من المسلّمات... يكفي لنا أن ننظر إلى تاريخنا وإلى العالم من حولنا".
وفي مسعى إلى تجسيد هذه القيم، أقيمت منشأة في الهواء الطلق تمتدّ على أربعة كيلومترات على امتداد الحدود السابقة للجدار تقدّم نسخات عن لافتات حملها متظاهرون في العام 1989، فضلا عن أخرى من صنع مواطنين.
وساهم سقوط الجدار، رمز الحرب الباردة والشرخ القائم بين الكتلة الغربية والتكتّل الشيوعي، في تمهيد الطريق لانهيار الشيوعية في أوروبا الشرقية وإعادة توحيد شطري ألمانيا بعد سنة.
شيّد "جدار العار" في آب (أغسطس) 1961 على طول 155 كيلومترا حول برلين الغربية بغية وضع حدّ للنزوح المتزايد لسكان الجمهورية الديموقراطية الألمانية.
وقضى 140 شخصا على الأقلّ في محاولتهم اجتياز الجدار.
ودُعي نشطاء من حول العالم للمشاركة في الاحتفالات القائمة بمناسبة ذكرى سقوط الجدار والممتدّة حتى الأحد، وعلى رأسهم زعيمة المعارضة البيلاروسية سفيتلانا تيخانوفسكايا والمعارضة الإيرانية مسيح علي نجاد.
ودعيت أيضا فرقة البانك الروسية المعارضة "بوسي رايوت" لإحياء عرض أمام المقرّ السابق لجهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية الذي كان معروفا باسمه المختصر "شتازي".
وقال الرئيس فرانك-فالتر شتاينماير خلال خطاب ألقاه مساء الأربعاء بمناسبة انطلاق الفعاليات الاحتفالية "نقف اليوم إلى جانب هؤلاء الذين يناضلون من أجل الحرّية وضدّ الإخضاع".
انقسام سائد
لفت جو شيالو المسؤول عن شؤون الثقافة في حكومة برلين الإقليمية إلى أن التركيز على الحرّية يكتسي أهمية خاصة "لا سيّما في وقت نواجه فيه تصاعد النزعة الشعبوية وتنامي التضليل الإعلامي والانقسامات الاجتماعية".
وكشفت الانتخابات المنظّمة في أيلول (سبتمبر) في ثلاث ولايات كانت سابقا تابعة لألمانيا الشرقية عن الانقسامات السياسية التي ما زالت سائدة بين شرق البلد وغربه.
وحقّق حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرّف فيها نتائج غير مسبوقة في تاريخه، في حين سجّلت مجموعة جديدة من اليسار المتطرّف خرقا انتخابيا.
ويحتفى أيضا في نهاية الأسبوع بذكرى ما يعرف بـ"ليلة الزجاج المكسور" عندما أطلق النازيون موجة من أعمال عنف طالت اليهود في 9 و10 تشرين الثاني (نوفمبر) 1938 اغتيل خلالها 90 شخصا على الأقلّ واقتيد عشرات الآلاف إلى معسكرات الاعتقال، في حين أشعلت النيران في 1400 كنيس في ألمانيا والنمسا.
وذكّرت الحكومة الألمانية بـ"الأهمية القصوى بالنسبة إلى مجتمعنا... لاستخلاص العبر الصائبة من تلك الأحداث"، في وقت تشهد ألمانيا تناميا للأعمال المعادية للسامية منذ هجمات السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 على إسرائيل والحرب المدمرة في قطاع غزة.