تضرر مبنى بالقصف الروسي على أوديسا (أ ف ب)
وفي دفعة معنوية للبلاد المحاصرة، أعطى الرئيس الأمريكي جو بايدن الضوء الأخضر لاستخدام الصواريخ الأمريكية ضد أهداف في عمق روسيا، مما قد يحد من خيارات موسكو في شن الهجمات وإمداد الجبهة.
ولكن هذا التحول الجذري في السياسة قد يُلغى عندما يعود ترامب إلى البيت الأبيض في كانون الثاني (يناير)، وحذر خبراء عسكريون من أن هذا التطور لن يكون كافيا بمفرده لتغيير مسار الحرب المستمرة منذ 33 شهرا.
ولقي آلاف الأوكرانيين حتفهم، ويعيش أكثر من ستة ملايين كلاجئين في الخارج، وانخفض عدد السكان بمقدار الربع منذ أن أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا برا وبحرا وجوا، مما أدى إلى اندلاع أكبر صراع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
والخسائر العسكرية للحرب فادحة، رغم أنها لا تزال محاطة بالسرية. وتتفاوت التقديرات الغربية العامة المستندة إلى تقارير مخابراتية على نطاق واسع، لكن أغلبها تقول إن مئات الآلاف من القتلى والجرحى سقطوا على كل جانب.
وخلّفت الحرب أثرها على السكان في كل ركن من أركان أوكرانيا، حيث أصبحت الجنازات العسكرية أمرا شائعا في المدن الكبرى والقرى البعيدة، وأصبح الناس منهكين بسبب الليالي التي لا ينامون فيها بسبب صفارات الإنذار من الغارات الجوية والمعاناة.
والآن، فإن عودة ترامب، الذي تعهد بإنهاء الحرب بسرعة - دون أن يوضح كيف سيفعل ذلك - تثير تساؤلات حول مستقبل المساعدات العسكرية الأمريكية والجبهة الغربية الموحدة ضد بوتين، وتثير احتمال إجراء محادثات لإنهاء الحرب.
احتمال المحادثات يثير التصعيد
مع دخول أوكرانيا إلى منطقة مجهولة، أصبح الشعور بالتصعيد ملموسا في الوقت الذي تسعى فيه موسكو وكييف إلى تحسين مواقعهما في ساحة المعركة قبل أي مفاوضات.
وعزّزت روسيا قدراتها بطائرات مسيرة هجومية إيرانية وقذائف مدفعية وصواريخ باليستية كورية شمالية. ونشرت موسكو 11 ألف جندي من كوريا الشمالية، وتقول كييف إن بعضهم اشتبكوا مع القوات الأوكرانية التي استولت على جزء من منطقة كورسك الروسية.
وقال مسؤول كبير في كييف إن بيونغ يانغ لديها القدرة على إرسال 100 ألف جندي.
في هذه الأثناء، تحاول أوكرانيا اعتمادا على عدد من أفضل قواتها الاحتفاظ بتلك المساحة الصغيرة من الأراضي الروسية التي استولت عليها في أغسطس آب لاستخدامها كورقة مساومة.
وتقول كييف إن روسيا حشدت 50 ألف جندي بالمنطقة، في حين حققت قوات الكرملين أيضا أسرع مكاسبها في شرق أوكرانيا منذ عام 2022، وكثفت الضغط في الشمال الشرقي والجنوب الشرقي أيضا.
ومع حلول فصل الشتاء، جددت موسكو يوم الأحد هجومها الجوي على شبكة الطاقة المتداعية في أوكرانيا، وأطلقت 120 صاروخا و90 طائرة مسيرة في أكبر قصف جوي منذ آب (أغسطس).
وبالإضافة إلى الضوء الأخضر الأميركي بضرب أهداف عسكرية داخل روسيا بالأسلحة التي توفرها الولايات المتحدة، فإن المساعدات المالية والأسلحة الخارجية تظل مهمة أيضا.
وعلى الرغم من تحقيق نمو اقتصاد متوسط على مدى عامين متتاليين، فإن الاقتصاد الأوكراني لا يزال يمثل 78 بالمئة فقط من حجمه قبل الغزو. وانكمش الناتج المحلي الإجمالي بنحو الثلث في عام 2022. وقد تعرضت صناعتا الصلب والحبوب العملاقتان في أوكرانيا لضربة قوية.
مطالب روسيا
أكدت بعثة الأمم المتحدة لمراقبة حقوق الإنسان مقتل 11743 مدنيا أوكرانيا، لكن بعض المسؤولين في كييف يعتقدون أن العدد أعلى من ذلك بكثير.
ورأى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأسبوع الماضي أنه يتعين على كييف أن تبذل قصارى جهدها لإنهاء الحرب العام المقبل من خلال الوسائل الدبلوماسية. لكنه رفض بشكل قاطع أي حديث عن وقف إطلاق النار قبل تقديم الضمانات الأمنية المناسبة لأوكرانيا.
ولفتت روسيا إلى أن أهداف الحرب تظل دون تغيير منذ أن قال بوتين في حزيران (يونيو) إنه يجب على أوكرانيا أن تتخلى عن خططها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، ويجب أن تنسحب من أربع مناطق أوكرانية تسيطر عليها قواته جزئيا، وهو ما يعني استسلام كييف.
وتكريما للقتلى، تحتل مجموعة من الأعلام الأوكرانية الصغيرة زاوية من ساحة الاستقلال في كييف، والتي كانت في السابق القلب النابض للاحتجاجات الشعبية المؤيدة لأوروبا التي أطاحت بالرئيس الأوكراني المدعوم من موسكو آنذاك في عام 2014.
وردت روسيا على الاحتجاجات بالاستيلاء على شبه جزيرة القرم الواقعة على البحر الأسود في أوكرانيا، وبدعم التمرد شبه العسكري في الشرق الذي أسفر عن مقتل 14 ألف شخص قبل أن تنجح سلسلتان من المحادثات، في إطار ما يسمى بصيغة مينسك، في وقف القتال مع كييف.
وبعد أن اتصل المستشار الألماني أولاف شولتس ببوتين يوم الجمعة للمرة الأولى منذ ما يقرب من عامين، قال زيلينسكي إن هذه الخطوة قللت من عزلة الزعيم الروسي. كما تحدث ضد فكرة إجراء مفاوضات على غرار محادثات مينسك.
وقال "نريد أن نحذر الجميع: لن يكون هناك مينسك 3؛ ما نحتاجه هو السلام الحقيقي".