إيمانويل ماكرون. (أ ف ب)
منح وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله" في لبنان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نصراً دبلوماسياً غير معهود في الشرق الأوسط، بعدما عمل عليه لأسابيع مع واشنطن، وذلك قبيل زيارة دولة يقوم بها إلى السعودية.
وقال مدير مركز الدراسات بشأن العالم العربي والمتوسطي في جنيف حسني عبيدي لوكالة "فرانس برس" "إنها عودة غير متوقّعة للدبلوماسية الفرنسية. أعاد لبنان إحياء دور فرنسا في الشرق الأوسط".
وأيدت أنييس لوفالوا من معهد الأبحاث والدراسات بشأن البحر الأبيض المتوسّط والشرق الأوسط هذا الرأي، معتبرة أنّه "بالنسبة لفرنسا، يعد هذا نجاحاً".
ولفتت إلى الخبية التي أثارها في أيلول (سبتمبر) إفشال مبادرة مماثلة في اللحظة الأخيرة من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وأوضحت أن ماكرون الذي انخرط بشكل كبير إلى جانب الولايات المتحدة أثناء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، "اعتبر الأمر بمثابة صفعة".
منذ ذلك الحين، يبذل الفرنسيون جهوداً مكثّفة في المفاوضات، بالتنسيق مع الأميركيين، وإن كان الإسرائيليون "رغبوا في إبعادهم عنها"، بحسب مصدر فرنسي قريب من الملف.
وشكر نتنياهو الذي اتّسمت علاقاته مع الرئيس الفرنسي بالتوتّر في الآونة الأخيرة، مساء الثلاثاء، الرئيس الأميركي جو بايدن "على دوره" في الهدنة.
في المقابل، شكر بايدن المنتهية ولايته نظيره الفرنسي على "مشاركته" في المفاوضات بين إسرائيل ولبنان.
"بحاجة إلينا"
وأشارت مصادر عدّة تحدّثت إليها "فرانس برس"، إلى أن الأميركيين واللبنانيين تمسّكوا بأن تؤدّي فرنسا دوراً في المباحثات وآلية مراقبة تنفيذ الاتفاق، نظراً إلى الاتصالات القائمة بينها وبين "حزب الله" وداعمته إيران.
وأكّد دبلوماسي فرنسي أن "الأميركيين بحاجة إلينا من أجل حزب الله"، موضحاً "لقد حاولوا أن يؤدوا (بمفردهم) لكن الأمر لم ينجح، لذا قدّم الفرنسيون قيمتهم المضافة التقليدية".
وأشار إلى أن باريس التي تراجع تأثيرها خلال السنوات الأخيرة في الشرق الأوسط، تستعيد بذلك "مكانتها التقليدية" بين مختلف الأطراف في المنطقة، مؤكّداً أنّه "من هذا المنظور، يعد ذلك انتصاراً".
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو الأربعاء "إن هذا الاتّفاق هو ثمرة عمل شاق جرى على مدى أشهر عدّة. إنّه نجاح للدبلوماسية الفرنسية ويمكننا أن نعتز به".
وأوضح عبيدي أن المفاوضين اللبنانيين أصرّوا "على المشاركة الفرنسية لأنّهم لا يثقون في الأميركيين الذين أظهروا انحيازهم الكامل للموقف الإسرائيلي".
ويأتي وقف إطلاق النار في توقيت ملائم بالنسبة لماكرون الذي يواجه وضعاً صعباً في فرنسا منذ قراره حل البرلمان في حزيران (يونيو)، والطامح الى استعادة مكانته على الساحة الدولية.
ونادراً ما أثمرت حتى الآن الجهود الدبلوماسية للرئيس الفرنسي، من ليبيا، إلى أوكرانيا حيث وجّهت إليه انتقادات شديدة لمواصلة الحوار مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد بدئه الغزو في شباط (فبراير) 2022، مروراً بلبنان الذي كان خاضعاً للانتداب الفرنسي، وحيث يحاول منذ أعوام الضغط على قادة البلاد لحلّ الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعانيها بيروت.
"مهمة دقيقة"
ويمكن لوقف إطلاق النار قبل أيام من زيارة دولة يقوم بها إلى السعودية بين الثاني والرابع من كانون الأول (ديسمبر)، أن يشكّل ورقة رابحة للرئيس الفرنسي.
وبغض النظر عن بدء سريان وقف إطلاق النار، يشكّل ثباته ميدانياً على المدى البعيد تحدّياً لباريس وواشنطن على رغم "حرص" الطرفين على حسن تنفيذه.
وأكّد نتنياهو الثلاثاء أن إسرائيل، وبالتفاهم مع الولايات المتحدة، "ستحتفظ بالحرية التامّة للتحرك العسكري" ضد "حزب الله" في حال انتهك الاتفاق. وشدّد على أنّه إذا "حاول إعادة التسلّح، سنهاجم".
وبحسب الاتفاق، تتسلّم قوات الجيش والقوى الأمنية اللبنانية المواقع التي يسيطر عليها حالياً الجيش الإسرائيلي و"حزب الله"، على أن تنضمّ الولايات المتحدة وفرنسا إلى الآلية الثلاثية التي تم إنشاؤها بعد حرب عام 2006 بين الطرفين، للإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار. وتضم اللجنة حالياً إسرائيل ولبنان وقوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل).
وقالت لوفالوا "كيف ستسير الأمور بشكل ملموس إذا حدثت مشكلة؟"، مشيرة إلى أن الجيش اللبناني لن تكون لديه "وسائل كثيرة" تتيح له الفصل بين "حزب الله" والجيش الإسرائيلي.
أمام كل هذه التحدّيات، "تواجه فرنسا مهمة دقيقة تتمثّل في الإبقاء على استقلاليتها ونفوذها مع الحفاظ على ثقة جميع الأطراف المعنية"، بحسب عبيدي.