النهار

34 عاماً على الوحدة الألمانية... الاختلافات تُعزّز قبضة اليمين المتطرف
برلين - شادي عاكوم
المصدر: النهار
مع استعداد ألمانيا للاحتفال بالذكرى بمهرجان شعبي في مدينة شفيرين عاصمة ولاية مكلنمبورغ فوربومرن بحضور رئيس البلاد، يبدو واضحاً أن المخاوف على المستقبل لا تزال تقلق المواطن في شرق ألمانيا رغم عمل حكومات الولايات هناك على التحديث والتطوير اللذين ما زالا غير كافيين.
34 عاماً على الوحدة الألمانية... الاختلافات تُعزّز قبضة اليمين المتطرف
AFP__20240926__36H63GV__v1__Preview__GermanyThuringiaVoteParliament_195257.jpg
A+   A-


يوم 3 تشرين الأول (أكتوبر) 1990 دخلت معاهدة توحيد ألمانيا حيز التنفيذ، واليوم يكون قد مر 34 عاماً على تغلب الألمان الشرقيين والغربيين على التقسيم، حتى أنه بات هناك تصور بأن جيلاً كاملاً نشأ منذ ذلك الحين ولم تعد لديه أي ذكريات عن ولايات شرقية وأخرى غربية. ورغم ذلك بقي هناك الكثير من الاختلافات بين شطري الجمهورية في العديد من المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهذا ما سمح للأحزاب اليمينية الشعبوية والمتطرفة بتكريس حضورها في الشرق وترجمته أخيراً أرقام نتائج الانتخابات البرلمانية الولائية التي جرت خلال الأسابيع القليلة في ثلاث ولايات واقعة شرق البلاد مقابل تقهقر للأحزاب التقليدية. فماذا ينتظر ألمانيا الموحدة مستقبلاً في غياب رضا المواطنين عن سياسات حكومتهم مع التراجع القاتل للنمو الاقتصادي والوضع الجيوسياسي المستجد في أوروبا، وكيف يمكن تحديد مآلات الأمور مستقبلاً؟

ولايات الشرق مناطق أزمات

مع استعداد ألمانيا للاحتفال بالذكرى بمهرجان شعبي في مدينة شفيرين عاصمة ولاية مكلنمبورغ فوربومرن بحضور رئيس البلاد، يبدو واضحاً أن المخاوف على المستقبل لا تزال تقلق المواطن في شرق ألمانيا رغم عمل حكومات الولايات هناك على التحديث والتطوير اللذين ما زالا غير كافيين. هذا الواقع حفز الناخب على التصويت، اعتراضاً، لمصلحة اليمين المتطرف، وبالتالي لا يمكن النظر إلى تلك الولايات إلا بكونها مناطق أزمات بعد نتائج الانتخابات الولائية في كل من براندنبورغ وسكسونيا وتورينغن، والتي تشكل مجتمعة عشر مجموع عدد السكان. فقد حقق حزب "البديل من أجل ألمانيا" نتائج باهرة تنذر بمرحلة أصعب على الحكومات الائتلافية فيها، من دون إغفال أن النظام السياسي يهتز في كل أنحاء البلاد مع تصويت حوالي نصف الناخبين هناك مع "البديل"، وليس فقط بسبب ملف الهجرة المأزوم بل أيضاً نتيجة التقصير في العديد من القضايا أهمها مستوى الدخل والتعليم والعدالة الاجتماعية.

ونشر قبل أيام تقرير أعده مفوض الشرق لدى الحكومة الفدرالية كارستن شنايدر عن حالة الوحدة الألمانية، تضمن دراسة استقصائية تفيد بنقص تمثيل الألمان الشرقيين في المناصب الفدرالية العليا والوزارات، ووفقاً لشنايدر، فإن نسبة المشاركة العالية وتحشيد اليمين الشعبوي هناك كرّسا الفجوة بين الناخب والمسؤول، والافتقار إلى التمثيل يمثل مشكلة. ومن جهة أخرى، أوحى التقرير بأنه قد تكون لنتائج الانتخابات تأثيرات صعبة وستزيد الوضع هشاشة لأن الخيارات السياسية محدودة للغاية، وبخاصة إذا لم يكن المناخ الاجتماعي ملائماً. وخلص المفوض إلى أن الشرق بحاجة إلى المهاجرين، وبخاصة في المناطق الريفية حيث لا يمكن للسياسة أن تجبر أحداً على الذهاب إلى هناك، ما يبقي النقص في العمالة قائماً.

متّحدان غير متكاملين 

ويرى مراقبون أنه برغم أن شرق البلاد وغربها متحدان ويتمتعان بالحريات، إلا أنهما غير متكاملين تنموياً بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على سقوط جدار برلين، ولا تزال الاختلافات واضحة في الدخل والقدرة الشرائية رغم ما شهده شرق البلاد من تطوير ونهضة عمرانية وصناعية، إذ يشعر الكثير من الألمان الشرقيين الذين يشكلون نحو 20% من سكان البلاد أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وهناك  خشية حالياً، ومع تزخيم اليمين الشعبوي حضوره السياسي، من أن تتضاءل رغبة المواطنين الألمان من الغرب في الانتقال إلى الشرق في ظل نقص العمالة الماهرة وأن يتم تخويف المستثمرين، حتى أنه يُطرح سؤال عما إذا كان الأجانب يريدون العيش في ولايات حقق فيها اليمين المتطرف مع اليسار الشعبوي ما نسبته 50% من الأصوات. 

في المقابل، اعتبر الباحث ماركوس بوك، في حديث لـ"النهار"، أنه رغم بقاء الفروقات بين شرق ألمانيا وغربها، تتعافى الولايات الشرقية تدريجياً، وهناك الكثير من الخطط لتعزيز القدرات وتطوير البنية التحتية فيها، والعديد من الشركات الأجنبية مهتمة بالاستثمار في الشرق، بعدما أنشأت شركة السيارات الكهربائية الأميركية "تسلا" مصنعاً لها في ولاية براندنبوغ وتوظف حالياً حوالي 12 ألف شخص ولديها خطط توسعية، فيما تخطط "أنتل" للتكنولوجيا الأميركية لبناء مصنع في الشرق، عدا مشاريع متوقعة لشركات تصنيع أشباه الموصلات للسيارات من أجل تسهيل توريد الإمدادات لشركات صناعة السيارات الألمانية من دول شرق آسيا وأهمها تايوان. ولفت بوك إلى أنه مع انشغال الناس شرق البلاد بنسبة البطالة الأعلى في ألمانيا والاختلافات الحقيقية مع الغرب، يطمح الشرقيون إلى المزيد من الحقوق والقيم الأساسية وتكافؤ الفرص والتعايش السلمي بين الأديان والمزيد من العدالة الاجتماعية. 

تآكل الثقة الوطنية بالنفس

ومع تعدد الاعتبارات والأرقام البالغة الدلالات، اعتبر البروفسور في جامعة دورتموند هانريك مولر أن المزاج العام غير مريح والأزمة الاقتصادية في البلاد طويلة الأمد، وليس هناك من نهاية في الأفق والأرقام في مراكز الأبحاث تثبت ذلك، وألمانيا تتراجع اقتصادياً أكثر من غيرها من دول الجوار الأوروبي، وهذا ما يؤدي إلى تآكل الثقة الوطنية بالنفس في بلد كان أداؤه الاقتصادي يعتبر، على مدى عقود، الأفضل أوروبياً، وهذا ما انعكس تراجعاً في الخدمات والتعليم والصحة والأمن، وذلك بعد رصد جزء كبير من الموازنة العامة لإعادة التسلح وتجهيز الجيش والإنفاق الدفاعي لحلف "الناتو" بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا. 

وفي السياق، أشار محللون إلى أن التصور العام يوضح أن الولايات الشرقية تعاني مشكلات، وقد أحدثت الانتخابات الأخيرة فيها ضجة على المستويين الوطني والأوروبي، لا سيّما أن اليمين المتطرف و"تحالف سارة فاغنكنشت" وغيرهما من أصدقاء بوتين حققوا نجاحات كبيرة تعرّض أمن أوروبا للخطر وسط الرفض والتشكيك في شرق ألمانيا، وقد تؤدي إلى إضعاف الاتحاد الأوروبي مع تمدد اليمين المتطرف واليسار الشعبوي في البرلمان الأوروبي في ظل تعاظم التحديات العالمية، وهذا ما يترك أيضاً أسئلة حول دور الاتحاد وخطط المفوضية للقضايا المستقبلية للتكتل.


اقرأ في النهار Premium