في خط موازٍ للحرب العسكرية الدائرة بين إيران وجماعاتها من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، والتي تتمتّع فيها الأخيرة بأفضلية نسبةً للعمليات التي تمكّنت من تنفيذها في الآونة الأخيرة، ثمّة حرب من نوع آخر تدور بين الطرفين، وقد تكون نقطة قوّة لطهران التي أثبتت قدرتها في هذا الميدان، وهي حرب استهداف البعثات الدبلوماسية والمصالح الاقتصادية في دول أجنبية.
في هذا السياق، تقول صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية إن ثمّة "مجالاً واحداً تخشى أجهزة الأمن أن تحاول إيران ضرب إسرائيل فيه، وهو استئجار عصابات إجرامية في الغرب"، ويشير إلى أنّ طهران "تحالفت مع تجار مخدرات وعصابات إجرامية لملاحقة أهداف يهودية أو إسرائيلية ومعارضين إيرانيين".
أوروبا الهدف الأسهل؟
يقول الخبراء إنّ أوروبا توفّر "ساحة يمكن الوصول إليها" لضرب المصالح الإسرائيلية، ويرجع ذلك جزئياً إلى الحدود المفتوحة نسبياً وارتفاع الجريمة المنظمة في البلدان الآمنة تاريخياً مثل السويد والمملكة المتحدة وهولندا وألمانيا.
إلى ذلك، يكشف رئيس وكالة التجسس المحلية في المملكة المتحدة أن إيران "تستخدم بشكل متزايد مجرمين من المستوى المنخفض لتنفيذ هجمات الحرق والتخريب وزرع الفوضى" في جميع أنحاء أوروبا.
من جهته، يُشير دانييل بايمان، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن والخبير في الإرهاب والتمرد، إلى أن "العمليات السرية في أوروبا أصبحت بشكل متزايد أداة للحرب غير المتكافئة لمصلحة الجهات المعادية".
"العمليات تمكّن من ضرب مجموعة من الأهداف التي غالباً ما تكون غير محمية، ويمكن لمجموعات صغيرة من الأفراد القيام بذلك دون الكثير من التدريب والمال"، كما يقول بايمان. وقد يكون هذا الأسلوب مرجّحاً لإيران وحتى "حزب الله" الذي ضعفت قيادته العسكرية بسبب الاغتيالات، كونه يتطلّب موارد قليلة.
بدورها، تُشبّه سانام فاكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "تشاثام هاوس"، وهي مؤسسة بحثية في لندن، محور إيران والطريقة التي يعمل بها بعمل "المافيا"، ولهذا السبب فإن "العثور على العصابات والأشخاص لإدارة هذه العمليات ليس بالأمر الصعب بالنسبة لطهران".
وبرأيها "كانت العلاقات اقتصادية في المقام الأول، والآن تطورت إلى شيء آخر"، وفي هذا السياق، يلفت مراقبون إلى ادعاءات "رعاية حزب الله ومن خلفه إيران مجموعات متهمة بتهريب المخدرات والذهب من أفريقيا إلى أوروبا لتأمين الأموال".
وفي ظل غياب توازن القوّة العسكرية بين إيران وإسرائيل، فإن هذه الهجمات تمثّل "ضرورة" للجمهورية الإسلامية، حسب "وول ستريت جورنال".
وبرأي ماثيو ليفيت، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وخبير في الجماعات المدعومة من إيران، فإن الأخيرة "تريد القيام بأشياء مع إمكانية إنكارها لتجنّب الانتقام في الداخل".
ولا تحتاج إيران إلى بناء اتصال مباشر مع العصابات، بل يمكنها العمل من خلال وسطاء لديهم اتصالات في عالم الجريمة، بحسب مان جيريل، الأستاذ في جامعة مالمو والمتخصص في الجريمة المنظمة في السويد، الذي يعتبر أن "هذه الضربات تعتمد على المشاريع، والأشخاص الذين ينظمونها لا يتعين عليهم أن يكونوا منتمين إلى أي عصابة. يمكن أن يكونوا متعاقدين مستقلين".
ويلفت جيريل إلى أن أعضاء العصابات الشباب في بعض الأحيان على استعداد للقتل مقابل 1000 دولار فقط، أو في بعض الأحيان مجاناً إذا كان ذلك يحسّن مكانتهم في الدوائر الإجرامية.
"حزب الله" قد يكون المجموعة الإيرانية الأبرز للمشاركة في تنفيذ هذه العمليات، وبعض التقارير تُذكّر بالوحدة "910" في الحزب والتي يقودها طلال حمية، والمسؤولة عن تنفيذ عمليات الحزب الأمنية في قارات العالم، وعلى رأسها أوروبا.
سلسلة عمليات
لإيران ومجموعاتها تاريخ في تنظيم الهجمات ضد أهداف يهودية وإسرائيلية في الخارج. في نسيان (أبريل). اتهمت الأرجنتين "حزب الله" بتفجير مركز ثقافي يهودي في بوينس أيرس عام 1994 ومقتل 85 شخصاً، كما اتهم المدعون العامون في بلغاريا التنظيم اللبناني بتفجير حافلة عام 2012 ومقتل خمسة سياح إسرائيليين وسائق بلغاري، وفق "وول ستريت جورنال".
ومن بين موجة الهجمات التي نفّذتها عصابات إجرامية يُشتبه بأنها بأمر من إيران، إلقاء قنابل يدوية على السفارات الإسرائيلية في كوبنهاغن واستوكهولم وبروكسل، وعلى منشأة تابعة لشركة Elbit Systems الإسرائيلية للإلكترونيات الدفاعية في مدينة غوتنبرغ، تخطيط تاجر مخدرات معروف لقتل يهود في ألمانيا وفرنسا، إطلاق النار على وجه سياسي إسباني يدعم منظمة "مجاهدي خلق" المعارضة للنظام الإيراني، وفق مصادر قضائية في الدول المذكورة.
واللافت كان اعتماد هذه العصابات على مراهقين، إذ اعتقلت الشرطة الدنماركية مراهقين سويديين يبلغان من العمر 16 و19 عاماً إثر انفجارين وقعا بالقرب من السفارة الإسرائيلية في كوبنهاغن.
وقالت وسائل إعلام سويدية إن الشابين ينتميان إلى زعيم عصابة "متهم بإصدار أوامر بمؤامرات عنيفة في الدول الإسكندنافية نيابة عن طهران، حيث يختبئ من أوامر الاعتقال".
ولم تذكر الشرطة ما إذا كان الهجوم مرتبطًاً بإيران، لكن المخابرات السويدية اتهمتها سابقاً بتوظيف "مجرمين مراهقين لتنفيذ مؤامرات عنيفة" في البلاد، حسب الصحيفة الأميركية نفسها.
وقال فريدريك هولتغرين فريبرغ، المتحدث باسم جهاز الأمن السويدي: "لقد قامت إيران لسنوات بأنشطة مزعزعة للاستقرار الأمني في السويد، تستهدف في المقام الأول الجالية الإيرانية". وأضاف: "لقد أثبتنا هذا الربيع أن النظام الإيراني كان يستخدم أفراداً مرتبطين بشبكات إجرامية في السويد لتنفيذ أعمال عنف" ضد أهداف إسرائيلية في السويد.
إلى ذلك، ألقى عضو في عصابة محلية في استوكهولم قنبلة يدوية على مجمع السفارة الإسرائيلية. وبعد أشهر، أطلق أعضاء عصابة أخرى منافسة أعيرة نارية حية بالقرب من المبنى نفسه، ما دفع الشرطة إلى اعتقال صبي يبلغ من العمر 14 عاماً.
وقالت المخابرات الإسرائيلية والسويدية إن المنظمتين الإجراميتين، واسمهما "فوكستروت" و"رومبا"، عدوان لدودان، وتغذيان موجة من العنف تهز السويد، وغالباً ما تستخدم المراهقين، تتلقيان أوامر من إيران.
وفي الولايات المتحدة، اعتقلت السلطات مواطناً باكستانياً قالت وزارة العدل إنه كان على صلة وثيقة بإيران، بعد محاولته توظيف عميل سري لمكتب التحقيقات الفدرالي متنكراً في هيئة قاتل مأجور لاغتيال سياسي أميركي. وقال مدير مكتب التحقيقات الفدرالي كريستوفر راي إن المؤامرة كانت "مأخوذة مباشرة من كتاب اللعب الإيراني".
وأصدر مكتب التحقيقات الفدرالي مذكرة اعتقال بحق ناجي شريفي زندشتي، وهو تاجر هيروين بارز مطلوب بتهمة توظيف مجرمين لقتل اثنين من سكان ماريلاند الذين فروا من إيران.
واتهمت ألمانيا رامين يكتاباراست، الرئيس السابق لعصابة راكبي الدراجات النارية Hells Angels الذي كان لسنوات صديقاً للإيرانيين، بارتكاب جريمة قتل، مع العلم أنّه فر إلى إيران، وفي العام التالي، دبر يكتاباراست من طهران مؤامرتين ضد كنيسين يهوديين في ألمانيا، وفقاً للسلطات الألمانية، زاعماً أنه وجه الهجمات نيابة عن الجمهورية الإسلامية.
الهجمات في الخارج لم تقتصر على المصالح الإسرائيلية فحسب، بل على المعارضة الإيرانية، وفي لندن، تعرّض الصحافي في قناة "إيران إنترناشونال" بوريا زراتي للطعن في ساقه. ويُعتقد أن المهاجمين مجرمون من أوروبا الشرقية فروا من البلاد بعد الحادث، وفقاً لوسائل الإعلام البريطانية.
وفي المحصّلة، فإن ساحات الصراع بين إسرائيل وإيران كثيرة، وكل طرف سيلجأ إلى نقاط قوّته لتعويض نقاط ضعفه في ميزان الردع، وقد تكون المصالح الإسرائيلية في الخارج "خاصرة رخوة" تستغلها إيران، ما سيدفع بالمخابرات الإسرائيلية إلى بذل مزيد من الجهود والتنسيق مع الأجهزة الاستخباراتية الأجنبية لحماية المصالح، لكن لذلك محاذير كثيرة تفتح الباب على خروقات أمنية أكثر واستهدافات أعمق.