النهار

إيران بعد علي خامنئي... ملامح التحوّلات السياسيّة والاستراتيجيّة
المصدر: النهار
إيران بعد علي خامنئي... ملامح التحوّلات السياسيّة والاستراتيجيّة
علي خامنئي.
A+   A-

د.خالد الحاج


تواجه إيران تحديات مصيرية في ظل ترقب نهاية حقبة علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية منذ عام 1989. تولى خامنئي القيادة بعد وفاة مؤسس الجمهورية الإسلامية، آية الله روح الله الخميني، وتمكن خلال العقود الثلاثة الماضية من تعزيز سلطته بفضل بنية سياسية مركزية ودعم واسع من الأجهزة الأمنية والحرس الثوري. ومع ذلك، فإن غيابه المتوقع يفتح الباب أمام أسئلة معقدة حول مستقبل النظام الإيراني وتوازناته الداخلية  في ظل الأوضاع الداخلية في ايران وتأثير ذلك على السياسة الإقليمية والدولية.

 

1. التحدي الداخلي: صراع النخب وتوازن القوى 
يُتوقع أن يشهد غياب خامنئي في الداخل الإيراني، صراعًا بين الأجنحة السياسية الرئيسية: وابرزهم
المحافظون: يسيطرون على المؤسسات الأساسية كالقضاء ومجلس صيانة الدستور، ويركزون على استمرارية الثورة الإسلامية وفق رؤيتها الأصلية.
الإصلاحيون: يطالبون بإعادة تفسير النظام بما يسمح بمزيد من الحريات السياسية والانفتاح على الغرب.
الحرس الثوري: تحول هذا الكيان من مؤسسة عسكرية إلى لاعب سياسي واقتصادي قوي، وقد يسعى لتوسيع نفوذه في غياب مرشد قوي، مع الاخذ بعين الاعتبار بانهم الأقرب الى المحافظون وعلى صراع شبه دائمًا مع الاصلاحيين. لذلك طبيعة المرشد الأعلى المقبل سيكون حاسمًا في تحديد توازن القوى بين هذه الأطراف. إذا تم اختيار شخصية ضعيفة، فقد يفتح ذلك المجال أمام الحرس الثوري لتعزيز قبضته، مما قد يؤدي إلى ميل النظام نحو العسكرة. في المقابل، إذا تم اختيار شخصية أكثر انفتاحًا، فقد يشهد النظام تحولًا داخليًا في اتجاه إصلاحي يحدّ من هيمنة الحرس الثوري.

 

2. التحدي المؤسسي: آلية اختيار المرشد
يُحدد الدستور الإيراني أن مجلس خبراء القيادة هو الجهة المسؤولة عن اختيار المرشد الأعلى. يهيمن المحافظون حاليًا على المجلس، مما يجعل من غير المرجح أن يتم اختيار شخصية إصلاحية. لكن، مع ذلك، هناك أسئلة حول دور الحرس الثوري في التأثير على القرار، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. قد يسعى الحرس إلى فرض مرشح يخدم مصالحه أو الدفع نحو تشكيل "مجلس قيادة" بدلًا من مرشد فردي، وهو مقترح نوقش في الأوساط السياسية سابقًا. وكان قد اعلن منذ فترة قصيرة إمام الجمعة المؤقت في أصفهان عضو مجلس خبراء القيادة في إيران، أبو الحسن مهدوي، أن مجلس الخبراء اختار ثلاثة أشخاص لخلافة المرشد.

3. التحدي الشعبي: الحراك الاجتماعي والتطلعات الجديدة
شهدت إيران في السنوات الأخيرة موجات احتجاجية متكررة نتيجة الأزمة الاقتصادية، والفساد، والقيود السياسية والاجتماعية. في مرحلة ما بعد خامنئي، قد يتعاظم هذا الحراك، خاصة إذا فشل النظام في تقديم رؤية جديدة تلبي تطلعات الشعب. هنا يبرز احتمالان:
احتواء الحراك: من خلال إصلاحات داخلية محدودة تستهدف تحسين الوضع الاقتصادي وتخفيف القيود الاجتماعية.
القمع المكثف: مما قد يؤدي إلى تصاعد الاحتجاجات وتحولها إلى حراك ثوري شامل، وهو سيناريو يحمل مخاطر كبرى على استقرار النظام.

 

4. التحدي الإقليمي: استمرارية السياسة الخارجية
إيران لاعب محوري في الشرق الأوسط، وتستخدم قوتها الناعمة والصلبة لتعزيز نفوذها الإقليمي. من العراق وسوريا إلى لبنان واليمن، شكلت السياسة الخارجية الإيرانية عنصرًا رئيسيًا في استراتيجية "تصدير الثورة".
في مرحلة ما بعد خامنئي، سيعتمد مستقبل هذه السياسة على طبيعة القيادة الجديدة. إذا سيطر الحرس الثوري بشكل أكبر على مقاليد الأمور، فمن المرجح أن تستمر إيران في نهجها الحالي، مع تركيز أكبر على العمليات العسكرية ودعم الأحزاب المقربة منهم في الدول المجاورة. أما إذا شهدت إيران قيادة أكثر اعتدالًا، فقد تتحول إلى استراتيجية توازن بين الانخراط الإقليمي والانفتاح على الغرب لتحسين وضعها الاقتصادي، وهو سيكون على حساب مصالح الأحزاب القريبة منهم في الدول المجاورة.

 

5. التحدي الدولي: الملف النووي والعلاقات مع الغرب
يشكل الملف النووي محورًا رئيسيًا في العلاقات بين إيران والمجتمع الدولي. في ظل خامنئي، تذبذبت السياسة الإيرانية بين التصعيد والتهدئة، مما أدى إلى توقيع الاتفاق النووي عام 2015 ثم انهياره لاحقًا بعد انسحاب الولايات المتحدة في 2018.

في مرحلة ما بعد خامنئي، قد تشهد العلاقات مع الغرب إعادة تشكيل، اعتمادًا على القيادة الجديدة. إذا تم اختيار قيادة براغماتية، فقد تسعى إيران لإعادة إحياء الاتفاق النووي وتخفيف العقوبات الاقتصادية. لكن، إذا سيطر التيار المتشدد، فقد تتجه إيران نحو مزيد من العزلة والتصعيد، مما يزيد من احتمالية اندلاع صراع إقليمي أو مواجهة مباشرة مع الغرب.

 

6. السيناريوهات المحتملة: ملامح المستقبل
يمكن تلخيص مستقبل إيران بعد خامنئي في ثلاثة سيناريوهات رئيسية:

الاستمرارية: ينجح النظام في اختيار مرشد جديد يحافظ على الوضع الراهن، مع استمرار السياسات الداخلية والخارجية دون تغيير جذري.

التغيير التدريجي: يتم اختيار قيادة أكثر انفتاحًا تسعى لإصلاحات محدودة لتجنب الانهيار الداخلي.
الفوضى والانقسام: يؤدي غياب خامنئي إلى تفاقم الصراعات الداخلية، مما قد يضعف النظام ويؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي.

تمثل مرحلة ما بعد علي خامنئي نقطة تحول حاسمة في تاريخ الجمهورية الإسلامية وعلى صعيد المنطقة. سيكون اختيار القيادة الجديدة واختبار قدرتها على التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية عاملًا أساسيًا في تحديد مستقبل إيران. وبينما تسعى النخب السياسية والأمنية للحفاظ على استقرار النظام، يبقى السؤال الأكبر: هل يمكن لإيران أن تتكيف مع المتغيرات الدولية وتوازنها مع تلبية تطلعات شعبها، أم أن غياب خامنئي سيؤدي إلى تصدع النظام ودخول البلاد في مرحلة جديدة من الصراع وعدم اليقين؟

 

 متخصص في الشؤون الايرانية

الأكثر قراءة

كتاب النهار 12/3/2024 2:05:00 AM
إسرائيل تضع "حزب الله" أمام خيارين: القبول بهزيمة مطلقة مما يضطره إلى التنازل عن فاعلية جناحه العسكري أو العودة إلى الحرب وتكبد ليس المزيد من الخسائر في لبنان فحسب، بل ما تبقى له من نفوذ في سوريا أيضاً....
دوليات 12/3/2024 8:35:00 AM
الهندسة القمرية الحرجة التي شهدتها السماء في الفترة من 1 إلى 2 ديسمبر/كانون الأول قد تؤدي لزلزال قوي اليوم الثلاثاء

اقرأ في النهار Premium