صورة ملتقطة عبر الأقمار الاصطناعية، نشرتها شركة "ماكسار تكنولوجيز" في 15 تشرين الأول (أكتوبر) 2020، وتُظهر ما قالت الشركة إنه منشأة سنجاريان النووية، شرق طهران. (أ ف ب)
في ظل الاستعدادات الإسرائيلية للرد على الهجوم الصاروخي الإيراني في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، نصح الرئيس الأميركي جو بايدن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتجنب المنشآت النفطية والنووية الإيرانية، لسببين مختلفين.
إن استهداف المنشآت النووية من شأنه أن يحدث قفزة في أسعار النفط العالمية قبل ثلاثة أسابيع على موعد الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي قد ينعكس سلباً على حظوظ المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس، ويعزز فرص الفوز لدى المرشح الجمهوري دونالد ترامب.
أما ذهاب إسرائيل إلى قصف المنشآت النووية الإيرانية، فسيؤدي إلى نتائج أكثر تعقيداً، ليس أقلها المخاوف من تبني طهران الخيار الكوري الشمالي، في الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي وسلوك مسار سري لإنتاج القنبلة.
ويسلط إعلان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إي) وليم بيرنز الثلاثاء، بشأن اقتراب إيران أكثر من أي وقت مضى من القنبلة، الضوء على العواقب التي قد تنجم عن قصف إسرائيلي محتمل للمنشآت النووية الإيرانية. هذا الإعلان استكمله المسؤول الأميركي المخضرم بصيغة التذكير بأن القيادة الإيرانية لم تتخذ بعد قراراً بإنتاج القنبلة.
بعبارة أخرى، ما أراد قوله بيرنز لإسرائيل هو أن ضرب المنشآت النووية قد يحمل مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي على التراجع عن قراره بعدم تصنيع القنبلة. قرار ستترتب عليه تبعات كبرى لأنه سيجر إلى سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، أو إلى لجوء الولايات المتحدة للخيار العسكري لمنع طهران من الوصول إلى السلاح النووي. وهذان خياران لا تحبذهما واشنطن.
ومع الضربات الإسرائيلية القوية التي تعرض لها حلفاء إيران الإقليميون، ولا سيما "حزب الله" و"حماس" على مدى عام، لا بد أن التفكير في طهران بدأ يتجه أكثر نحو الحصول على قوة ردع أخرى تشكل مانعاً صلباً أمام إقدام إسرائيل على اعتماد خيارات قصوى في المواجهة مع إيران.
هذا ما يجعل المراقبين يتبنون تحليلات مختلفة تقود كلها إلى سيناريوات كابوسية. منذ فترة ليست بالبعيدة، يردد المسؤولون الإيرانيون، في معرض التحذير من الأخطار المحدقة بطهران، أن العلماء الإيرانيين قد جمعوا المعلومات الضرورية لصنع القنبلة.
وبحسب المعلومات المستقاة من بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن لدى إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة قريبة من درجة التخصيب اللازمة لصنع السلاح النووي، ما يكفي لصنع أربع قنابل. وسبق أن أجرت إيران تجارب باستخدام معدن اليورانيوم، وهو عنصر أساسي يدخل في صنع القنبلة، وحدّت من وصول المفتشين الدوليين إلى الكثير من نشاطاتها، وذلك عقب سحب ترامب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة (الإسم الرسمي للاتفاق النووي لعام 2015 بين إيران والقوى العالمية).
في أفضل التقديرات الغربية، أن الضربة الإسرائيلية المحتملة قد تعيد البرنامج النووي الإيراني أشهراً أو سنة إلى الوراء. وتتحدث الصحافة الأميركية، عن أنه علاوة على التحصينات التي أحاطت بها إيران منشأتها النووية في فوردو ونطنز وركزتها عميقاً داخل الجبال، فإن إيران تملك أكثر من خمسة أطنان من اليورانيوم المخصب - بينها 165 كيلوغراماً من المواد المخصبة بدرجة عالية وهي موجودة في عربات متحركة يمكن تغيير مكانها بسرعة.
وإذا كانت هذه هي الحسابات التي تنطلق منها إدارة بايدن لنصح إسرائيل بعدم قصف المنشآت النووية، فإن نتنياهو يملك تصوّراً أبعد يخدم سياسته في خلق توازنات جديدة في الشرق الأوسط، ويحذر من أن إيران "ارتكبت خطأ جسيماً" بقصفها إسرائيل انتقاماً لاغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله ورئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنية.
يفترض هذا التحذير، بأن إسرائيل تهيئ لما هو أبعد من ضربة عسكرية، إلى نظام إقليمي جديد، ليتلاقى مع كلام ترامب خلال تجمع انتخابي، من أن "فجر الشرق الأوسط الجديد بات في متناولنا".
وطالما يوحي نتنياهو بأن الضربة لإيران حتمية، فإن ذلك قد لا يترك لطهران سوى محاكاة الخيار الكوري الشمالي.