طهران- أمیر دبیري مهر
يثير إطلاق نحو 200 صاروخ إيراني باتجاه المواقع العسكرية الإسرائيلية مساء الأول من تشرين الأول (أكتوبر) تساؤلاً مهماً هو: هل يعني ذلك أن السياسة الإقليمية الإيرانية قد تغيرت؟
لقد وجهت إسرائيل على مدى عام منصرم، منذ السابع من تشرين الأول 2023، وحتى الآن، ومن خلال تنفيذ عمليات الاغتيال، ضربات جسيمة لجبهة المقاومة الإسلامية وايران.
ومثّل اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية والأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله، ذروة هذه الضربات، فيما جاء الإجراء العسكري الإيراني كرد على سلسلة الهجمات الإسرائيلية هذه. وفي تصنيف عام، تبلورت ثلاثة توجهات بخصوص السياسات الإقليمية لإيران بعد اغتيال نصر الله:
1-الفئة الأولى، تضم أولئك الذين يذهبون إلى أن الاغتيالات الإسرائيلية وفرّت أفضل فرصة للمواجهة المباشرة بين طهران وتل أبيب، ويتعين على ايران إنزال ضربات مدمرة بإسرائيل، وألا تعوّل على وكلائها وألا تسمح بتبلور نظام جديد في المنطقة يتم تفصيله على المقاييس الإسرائيلية. وعلى سبيل المثال، تمكن الإشارة إلى رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني إبراهيم عزيزي الذي قال إن الرد الإيراني سيكون حاسماً ومدمراً وشجاعاً بالتلازم مع الحكمة والذكاء. والمثال الاخر، الموقف الذي اتخذه عضو الهيئة الرئاسية للبرلمان مجتبى يوسفي حينما قال إن منطق القوة هو السبيل لمواجهة الكيان الصهيوني ليس إلا، وإن إبداء الضعف يجعل الكيان أكثر طيشاً وتهوراً. ويحمل النائب السابق في البرلمان علي مطهري الرؤية ذاتها، ويرى أنه لو كانت ايران قد تصرفت بما يلزم بعد اغتيال هنية، لما كانت إسرائيل تجرأت على اغتيال حسن نصرالله. ولا بد من القول إن هذه الفئة منهمكة في تصفية الحسابات السياسية الداخلية مع حكومة الرئيس مسعود بزشكيان والإصلاحيين. ويبرز هذا التوجه بشكل لافت في وسائل الإعلام المحسوبة على نظام الحكم، وهو في الحقيقة رد دعائي وامتصاص لنقمة المجتمع إزاء اغتيالات الموساد.
2- الفئة الثانية هم أولئك الذين يرون أنه يجب مواصلة السياسة الإقليمية السابقة لإيران والمتمثلة في تعزيز جبهة المقاومة الإسلامية وتجنب الدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل، لان أي حرب إقليمية ستكون بمنزلة اللعب في ملعب إسرائيل ونتنياهو، ولأنها قادرة على جرّ قوى أكبر بما فيها أميركا وفرنسا إلى المنطقة لمصلحة إسرائيل. ويعد المساعد الاستراتيجي للرئيس الإيراني محمد جواد ظريف واحدا من أبرز ممثلي هذه الفئة، وإذ قال أن اتخاذ القرار بشأن رد الفعل الإيراني سيتم في الزمان المناسب وعلى مستوى عالٍ. كما أعلن وزير الدفاع الجنرال عزيز نصير زادة أن رداً متناسباً مع الإجراءات الإسرائيلية، سينفذه محور المقاومة وعلى رأسه "حزب الله"، وحتى أن المساعد السياسي لحرس الثورة العميد يد الله جواني، ودعماً لهذا التوجه، دعا المتطرفين الداخليين، الى احترام تشخيص السلطات في البلاد.
ويذهب هذا الجناح إلى أن القرارات العسكرية والاستراتيجية بشأن القضايا الإقليمية الحساسة، لا يجب أن تُتخذ على قاعدة الأحاسيس أو الضغوط السياسية البحتة، لا سيما في الظروف الحالية، إذ إن أي إجراء مُتسرع يمكن أن يُفضي إلى المزيد من تعقيد الأوضاع، وقد يعرض المصالح الاستراتيجية لإيران والمقاومة للخطر.
3- الفئة الثالثة هم النخبة والمحللون الذين يرون أنه آن الأوان لإدخال تعديلات جوهرية على السياسات الإقليمية الإيرانية، وضروري أن تلقي ايران، وبسبب الأثمان الباهظة التي دفعتها على خلفية وجودها في المنطقة، نظرة انكفائية إلى الداخل وأن تضطلع بدور باهت في المنطقة وعلى الأقل على المستويين العسكري والأمني، وأن تكف عن شعار القضاء على إسرائيل، لكي لا تعطي الذرائع لتل أبيب للقيام بأي عمل وجريمة لحماية وجودها. بيد أن هذه الرؤية لا تجد مساحة وإمكانية لطرح نفسها في المشهد الرسمي والإعلام الرسمي، بل تُثار في مواقع التواصل الاجتماعي ومن قبل المحللين الإيرانيين المستقلين.
وقال المحلل الإيراني البارز علي رضا تبار، في هذا الخصوص إن سياسات الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة والعالم، لا تتناسب مع قوتها وموقعها، وأن مواصلتها هذه السياسة، لا نتيجة له سوى إضعاف ايران وحلفائها.
وكتب الصحافي الإيراني المعروف أحمد زيد أبادي أنه آن الأوان لكي تراجع طهران قراراتها بشأن لبنان والتي أوصلت الأخير إلى هذه المرحلة.
وحذر المدون الإيراني هاشم فيروزي في مدونة بعنوان "الفرصة الأخيرة" من أنه إن لم تتغير السياسات الإقليمية الإيرانية، فان الأزمة الاقتصادية التي تسود البلاد ستستفحل وسيحصل انفجار داخلي ضخم بعد عامين.
وفي ضوء الإجراء الذي أقدمت عليه ايران مساء الثلاثاء بات واضحا أن مراجعة السياسات، غير مدرجة على جدول الأعمال، بل أن تركيبة من التوجهين الأول والثاني موضوعة على جدول أعمال السلطات الإيرانية. أي شن ضربات رادعة ضد المواقع العسكرية الإسرائيلية بطريقة لا تخلف خسائر بشرية، وألا تُقحم المنطقة في حرب متعددة الأطراف. وقال رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري بعد العملية "إننا كنا ننتظر بعد اغتيال إسماعيل هنية، إقرار وقف إطلاق النار في غزة، لكن ومع استمرار الحرب واغتيال السيد حسن نصر الله، لم يعد بوسعنا التريث أكثر، وإن أرادت إسرائيل إبداء رد فعل، فان الرد الإيراني سيكون حينها أكثر قسوة وحزماً". والآن يجب بطبيعة الحال، التريث لرؤية ماذا ستكون عليه ردة الفعل الإسرائيلية.