يمثّل مبنى سفارة فلسطين في طهران تجسيداً لتغيُرات سياسة إيران بعدما كان مقراً لبعثة إسرائيل في زمن الشاه إلى حين صعود الثورة الإسلامية عام 1979، فكيف تحولت العلاقة بين إسرائيل وإيران من تحالف إلى عداء وصل إلى شن هجمات مباشرة تنذر بخشية إيرانية من فقدان أذرعها تدريجياً لا سيما "حزب الله"، وإعادة بناء الشرق الأوسط ومعادلاته وفق الرؤية الإسرائيلية.
إيران في مأزق استراتيجي؟
تلقى محور إيران ضربات قاسية في الفترة الأخيرة، من الجمهورية الإسلامية نفسها إلى سوريا ولبنان وغزة ، ما هدد قدراته الدفاعية، خاصة "حزب الله". وتنزلق إسرائيل وإيران الى مواجهة تدور بشأن إعادة تركيب المنطقة، وفق ما يرى الأستاذ في العلاقات الدولية خطار أبو دياب.
يتحدث أبو دياب لـ"النهار"، عن "تبدل في المشهد، دفع الجناح المراهن على العلاقة مع واشنطن (الرئاسة الحالية، محمد جواد ظريف والبعض في الدولة العميقة ومنها "الحرس") للتخلي عن التمسك ببعض مكاسب المحور وأذرعه، وربما يفسر ذلك حجم الاختراق داخل إيران (اغتيال اسماعيل هنية)، والذي أيضا، دفع ثمنه حزب الله بشكل أو بآخر".
ويشير إلى أن "ايران حاولت استمالة يحيى السنوار لصالح بقاء محورها وتعزيزه، والاستمرار في وحدة الساحات على نار خفيفة، دون اشعال حرب إقليمية، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تجاوز قواعد ضابط الإيقاع الأميركي اثر النجاحات العسكرية الأخيرة".
تعمل طهران على "أولوية حماية الجغرافيا الإيرانية والنظام، وتبدو في مأزق استراتيجي، متأرجحة بين تنازلات عن مكاسبها الإقليمية والخوف من ضرب عناصر قوتها في الداخل أيضا".
وتمر المنطقة وفق أبو دياب بـ"أشهر دقيقة"، تفصلنا عن الانتخابات الأميركية، ويعتقد النظام بأنه سيعزز أوراق تفاوضه مع واشنطن، وربما أيضاً سيكون ملزما على التخلي عن سويا ولبنان، على المدى المتوسط او البعيد، وفي مواجهة ذلك، تُلوّح طهران بتغيير العقيدة النووية بهدف منع واشنطن من بلورة نظام جديد في الإقليم وهيمنة إسرائيل.
هل تتخلى ايران عن أذرعتها؟
"حزب الله"، يد إيران الأقوى تعرض لانتكاسات متتالية، أبرزها اغتيال أمينه العام السيد حسن نصر الله، وقبله قيادات عسكرية من الصف الأول، ثم خليفته المفترض رئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين (لم يحسم مصيره بعد)، وسط توعد إسرائيلي بالانتقال إلى العراق لضرب الحشد الشعبي واليمن لضرب جماعة الحوثي، في محاولة لفصل مسار وحدة الساحات، الذي يبدو أنّ طهران لا تزال تتمسك به.
هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) فاجأ إيران ولم يكن ضمن حساباتها، والتطورات التي أعقبت أحداث أكتوبر لا سيما الدعم غير المشروط من قبل واشنطن لإسرائيل، تفاجأت به إيران أيضاً، وفق مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي.
مستوى المواجهة كان مضبوطاً، وايران كانت تعرب عن رغبتها في تفادي الانزلاق إلى حرب إقليمية واسعة، ونصائحها الى حلفائها في لبنان واليمن وغيرها، هي لعدم الذهاب الى تصعيد يستدرج إلى حرب شاملة مع إسرائيل.
يشير الرنتاوي إلى أن ايران أدارت هذه الحرب وفق اقتراح "فوق الصفر وتحت التوريط"، وبدت هذا المعادلة وكأنها تسير في الطريق الصحيح، أي لا تورّط في حرب شاملة، لكن حكومة بنيامين نتنياهو "أدركت بأن هذا الاستنزاف لا يمكن أن يستمر".
لذلك، يرى الرنتاوي، في حديثه لـ "النهار"، أنّ "إسرائيل قررت المبادرة، متجاوزة الخطوط الحمراء، ودخلت في حرب برية في غزة لم تكن الولايات المتحدة تريدها، لا بل ذهبت إلى رفح ومحور فيلاديلفيا متجاهلة النصائح الأميركية واحتلت كامل القطاع الفلسطيني".
ليس هذا فقط، لقد "استهدفت إسرائيل إيران مباشرة عبر ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق واغتيال هنية في طهران والأماكن المحصنة للحرس الثوري واغتيال نصرالله في بيروت، في محاولة لاستجرار طهران إلى حرب واسعة لا تريدها".
نتنياهو يعلم أن "قدرات إسرائيل على توجيه ضربات مؤثرة ذات مغزى لإيران غير كافية، لكنه يراهن على بعد اخر، هو أنّ واشنطن وإن ترددت، وإن كانت تعبّر عن رفضها لحرب واسعة مع إيران، إلا أنها ستنخرط في هذه الحرب دفاعا عن إسرائيل، والمسؤولون الأميركيون لا يخفون استعدادهم للدفاع عن إسرائيل".
إيران ليست جاهزة لأي حرب شاملة بحسب الرنتاوي، والتيار الإصلاحي بقيادة الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان يحاول استئناف المفاوضات لدعم الاقتصاد وحماية النووي وتقوية العلاقة مع الغرب.
ويعتقد الرنتاوي أنّ "إيران تواجه تحدياً في نفوذها الإقليمي، وما زلنا في ذروة هذه الحرب، وبعيدين عن خط النهاية، وان تواصلت الخسائر الإسرائيلية في المعارك البرية في غزة وجنوبي لبنان، فلن ينجح نتنياهو في تحقيق أهدافه".
ويضيف: "محور إيران يعتبر أنه يمنع الطرف الآخر (إسرائيل) من تحقيق أهدافه وهذا انتصار بخد ذاته، في حين تعتبر إسرائيل نفسها متفوقة ونجحت في تحطيم قدرات الطرف الآخر ولم يعد قادراً على معاودة ما بدأ فيه يوم السابع من أكتوبر لعقود طويلة مقبلة".
وإذ يحذر الرنتاوي من مشروع إسرائيلي توسعي قد يصل إلى الأردن، يشير الى أن ايران ليست بوارد التخلي عن مجالها الحيوي، ولكن أشكال ومستويات وطرق الدعم لحلفائها قد تتبدل وتتغير، مستبعداً أن تصل إلى لحظة التخلي والخذلان.