النهار

هل أدركت إسرائيل تفاصيل الضربة الإيرانية سلفاً عبر جواسيسها؟
المصدر: النهار
هل أدركت إسرائيل تفاصيل الضربة الإيرانية سلفاً عبر جواسيسها؟
AFP__20241002__36HY6U2__v4__Preview__TopshotIsraelPalestinianIranLebanonConflict_182359.jpg
A+   A-

بيروت - جورج عيسى

في إحدى ليالي شتاء 2018، قرر عدد من الجواسيس تنفيذ خطة غير مسبوقة. اقتحموا ما يفترض أنها واحدة من أكثر الأماكن تحصيناً ثم توجهوا إلى خزنات. طوال سبع ساعات، أذابوا الأقفال عنها، ثم سرقوا محتوياتها وهربوا "بدون أثر". بعد نحو 3 أشهر، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مزهواً وهو يستعرض الأرشيف النووي الإيراني.

في الأيام القليلة الماضية، عاودت مقابلة إعلامية قديمة نسبياً لمحمود أحمدي نجاد تصدر الأنباء. سنة 2021، وفي مقابلة مع "سي أن أن تورك"، أعرب الرئيس الإيراني عن استيائه من سوء تعامل إيران مع الاختراقات الإسرائيلية المتكررة لبلاده. لعل حديثه عن تعيين رئيس لوحدة مكافحة التجسس الإسرائيلي، تبين لاحقاً أنه هو نفسه جاسوس إسرائيلي، كان أكثر ما خطف الأضواء. لكن تساؤلات أخرى طرحها لم تقل أهمية.

حين اقتحموا الأرشيف الإيراني في 31 كانون الثاني (يناير) 2018، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" سنة 2022، لم يدرك الجواسيس فقط أنّ الأرشيف كان موجوداً في خزنات. لقد أدركوا أيضاً أياً منها احتوت على المعلومات المطلوبة: لقد كانت 27 من أصل 32 خزنة. وكان اللافت أيضاً وزن المسروقات: نصف طن، بحسب التقرير نفسه.

في مقابلته الإعلامية، قال نجاد: "هل كانت ورقة واحدة ليضعوها في جيوبهم ويفروا، لقد كانت شاحنات من الوثائق، فكيف فروا من البلاد، مع كل نقاط التفتيش الموجودة، كيف غادر العديد من الشاحنات المحملة بالوثائق البلاد؟". وأضاف مستنكراً: "وثائق منظمة الفضاء كانت في خزانة مكتب رئيس هذه المنظمة، فكيف فتحوا السقف ودخلوا وفتحوا الخزنة وأخذوها".

قد تحمل التقارير عن سرقة الأرشيف بعض المبالغات أو المغالطات. لكن الخلاصة أن سرقته ليست أمراً عرضياً في الصراع الاستخباري الطويل بين إسرائيل وإيران. في الأول من تشرين الأول الحالي، بدا أن هذا الصراع احتد أو سيحتد مجدداً. بالرغم من أن التأثيرات العسكرية والمدنية هي محور اهتمام المراقبين في تحليلهم للضربة الصاروخية الإيرانية ضد إسرائيل، يبقى العامل الأمني غير بعيد من عناصر التحليل.

 

مصادر فريدمان

قبل الهجوم، ذكر كاتب العمود في صحيفة "نيويورك تايمز" توماس فريدمان كيف أبلغه مسؤولون استخباريون إسرائيليون أن إيران تخطط لهجوم صاروخي عند الساعة 7:30 مساء على دفعتين، تفصل بينهما 15 دقيقة وتضمان 110 صواريخ باليستية. وأبلغوه أيضاً أن الصواريخ الباليستية كانت موجهة إلى ثلاثة أهداف: مقرات الموساد بالقرب من تل أبيب، وقاعدتي نيفاتيم وحتسيريم.

تحققت معلومات الإسرائيليين إلى حد كبير. قال الجيش الإسرائيلي إنه اعترض "عدداً كبيراً" من 180 صاروخاً باليستياً إيرانياً تم إطلاقها بعد السابعة والنصف بقليل، ونقلت "أسوشيتد برس" عن مسؤولين أميركيين وبريطانيين قولهم إن إيران أطلقت نحو 200 صاروخ. وبينما قال الجيش الإسرائيلي إنه كانت هناك تأثيرات "منعزلة" في وسط وجنوب الأراضي المحتلة، وصف توم روغان في موقع "أنهيرد" تلك التأثيرات بـ"غير الضئيلة".

بعد الضربة مباشرة، حدّث فريدمان مقاله بمقدمة جديدة. نقل عن مصادر إسرائيلية قولها إن الحرس الثوري الذي شن الهجوم لم يبلغ الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بالخطوة إلا قبل وقت قصير على تنفيذها، وذكرت مصادره أن القيادة الإيرانية كانت منقسمة.

وعلّق فريدمان على التطور كاتباً: "برهنت قدرة إسرائيل على استباق الهجوم الإيراني وذكر الساعة المحددة للهجوم، وواقع أنها كانت عملية للحرس الثوري (...) حجم عمق اختراق الموساد، والإمرة السيبرانية لإسرائيل، والوحدة 8200، والقوة الجوية الإسرائيلية للنظام الإيراني ونسقت ردها الدفاعي".

من جهتها، ذكرت "وول ستريت جورنال" في تقريرها صباح 2 تشرين الأول (أكتوبر)، أن مجرد إطلاق طهران ردها بدون تنسيق مع حلفائها هو محاولة للتعامل مع حجم الاختراق الإسرائيلي لها. لكن ثمة أسئلة أخرى عن هذا الاختراق المفترض.

 

لم يكن الهجوم استعراضياً

إحدى علامات الاستفهام هي ما إذا كانت إسرائيل قد علمت أيضاً بنوعية الصواريخ التي كانت ستُطلق. قال الإعلام الرسمي الإيراني إن طهران استخدمت للمرة الأولى صواريخ من نوع "فتاح 2"، وهي صواريخ باليستية متوسطة المدى وفرط صوتية. بحسب تحليل الباحث في الشؤون الدفاعية ضمن "معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية" في لندن فابيان هينز، كانت الصواريخ الإيرانية الأخيرة أكثر حداثة وتطوراً من النسخ التي استُخدمت في هجوم نيسان (أبريل).

بالمثل، لفت "معهد دراسات الحرب" في واشنطن إلى أن الحرس الثوري كان ينوي من خلال هذه الصواريخ إنزال ضرر بالبنى العسكرية الإسرائيلية عبر إرهاق دفاعاتها. ومثلت الكمية الكبيرة من الصواريخ الباليستية استثماراً إيرانياً كبيراً لن تفرط به إيران لمصلحة هجوم "استعراضي".

وبدا الأميركيون متأخرين نسبياً في إرسال إنذار إلى موظفيهم للاحتماء في الملاجئ، وهو إنذار وصل قبل فترة قصيرة من الضربة. وهذا يثير سؤالاً عما إذا كانت الاستخبارات الإسرائيلية نسقت مع الأميركيين في المعلومات التي حصلت عليها ومتى. كذلك، اعترف الإسرائيليون بتضرر قواعد جوية وفق القناة 13 الإسرائيلية. يطرح هذا سؤالاً آخر عما إذا كانت المعلومات المفترضة التي حصلت عليها قد استفادت منها فعلاً.

في الهجوم الماضي، كانت الضربة بطيئة نسبياً لاشتمالها على طائرات بدون طيار وصواريخ "كروز". هذه المرة، مثلت الصواريخ الباليستية الأسرع كل الوابل الذي أرسلته إيران إلى الأهداف الإسرائيلية. وفي نيسان أيضاً، أخطرت طهران واشنطن بالهجوم قبل 72 ساعة من حصوله، بعكس الضربة الأخيرة التي قالت إيران إنها لم تبلغ أحداً بها.

ثمة حاجة إلى أيام وعلى الأرجح أسابيع عدة لمعرفة القسم الأكبر من ظروف الضربة، بدءاً من القرار بإطلاقها وصولاً إلى تحديد نتائجها الميدانية وفاعلية الاستجابة الإسرائيلية. من جهته، بدا فريدمان متأكداً من حجم الاختراق: "لن يكون بإمكان أي زعيم إيراني أن يثق بالآخر". صحة هذا التحليل لا يعرفها سوى القادة الإيرانيين.

اقرأ في النهار Premium