في 22 أيلول (سبتمبر) 2023 حمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو معه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة خريطة "أرض إسرائيل الكبرى". ربما كان ذلك غريباً بعض الشيء، لكنه يدرك تماماً ما الذي يفعله، فمنذ وصول حزب "الليكود" للمرة الأولى إلى مقاليد الحكم في إسرائيل عام 1977 بعد فوز مناحيم بيغن المدوي على حزب العمل، زرعت بذرة قيام إسرائيل الكبرى التي كانت قد ولدت قبل ذلك بكثير، وتبعتها التغييرات التي بدأت باستخدام الاسم التوراتي للضفة الغربية - يهودا والسامرا - والترويج للاستيطان اليهودي.
ادّعى نتنياهو بعد تعرضه لانتقادات كثيرة، أنه استخدم الخريطة "لتوضيح حقبة جديدة، ستحمل السلام إلى الشرق الأوسط، بما يشمل الفلسطينيين، إذ إن الخريطة وضعت الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة) ضمن حدود إسرائيل السيادية، لكن نتنياهو أوصل رسالته بطريقة معاكسة أو ربما تكون هي الجزء الصادق الوحيد في خطابه عن السلام.
قبل أيام، تداول نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو قديماً لوزير المال الإسرائيلي بتسالئيل سموتريتش، قال فيه إن "حدود إسرائيل يجب أن تمتدّ لتشمل دمشق، إضافة إلى أراضي 6 دول عربية هي سوريا ولبنان والأردن والعراق وجزء من مصر وجزء من الحجاز (السعودية)، لتحقيق الحلم الصهيوني من النيل حتى الفرات"، ليعيد الجدل مجدداً حول أرض "إسرائيل الكبرى".
سموتريتش قال أيضاً: "أرض إسرائيل الكبرى يجب أن تمتد الآن من البحر إلى الأردن"، وعندما سألته مقدمة البرامج الشهيرة إيلانا دايان عن "هل نريد في هذه المرحلة أيضاً (احتلال) شرق الأردن؟"، أجاب: "نعم، شيئاً فشيئاً". في نهاية المقابلة أشار إلى أنه "مكتوب في كتب الحكماء (القادة الروحيين والدينيين لليهود) أن مستقبل القدس هو أن تمتد إلى دمشق"، وختم: " باختصار لدينا الكثير لنطمح له".
الجدير ذكره أن سموتريتش أدلى بتلك التصريحات لـ"القناة الثانية" العبرية عام 2016، حين كان عضواً في الكنيست عن حزب "البيت اليهودي"، الذي اندمج عام 2023 مع حزب "الاتحاد الوطني - تكوما" ليشكلا حزب "الصهيونية الدينية" الذي يرأسه حالياً.
وفي آذار (مارس) 2023، ألقى سموتريتش خطاباً في العاصمة الفرنسية باريس، وكانت على المنصة التي يقف عليها خريطة تشمل "أرض إسرائيل"، في إشارة إلى أن إسرائيل تتكون من فلسطين التاريخية والأردن، وهي أيضاً شعار منظمة "الأرغون المسلحة" التي قتلت الفلسطينيين عام 1948، وحركة "بيتار" المتطرفة.
ووسط كل ذلك كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أخيراً، حصولها على تسجيل صوتي لسموتريتش يؤكد فيه امتلاكه "خطة سرية" لتعزيز السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، وإجهاض أي محاولة لأن تكون جزءاً من الدولة الفلسطينية.
تكرار سموتريتش ومسؤولين إسرائيليين آخرين مثل هذه التصريحات في مناسبات كثيرة سابقاً وحالياً، يسلط الضوء على المعتقدات والأفكار التي يؤمن بها اليمين واليمين الفاشي الإسرائيلي، والأصوات المؤيدة له حتى من الخارج.
يستند داعمو اليمين المتطرف الذين يتبنون هذه المعتقدات التوراتية المتشددة، إلى نصوص أهمها ما ورد في سفر التكوين، إضافة إلى الأصوات التي تعرف بأنها علمانية داخل الحركة الصهيونية والتي تدعو إلى توسيع حدود إسرائيل لتشمل أجزاء واسعة من الشرق الأوسط.
هنا لا بد من ذكر ما أنتجته الحركة الصهيونية من معتقدات ارتكزت على استيطان أرض الميعاد من قبل أفراد مستقلين. صحيح أن الصهيونية التصحيحية اختلفت مع الأنواع الأخرى من الصهيونية عن أقصى حدودها الإقليمية، لكنها أصرت على فرض السيادة على الأرض بأكملها، ومن بين منظريها ملهم نتنياهو وبيغن وحزبي "حيروت" و"الليكود" زئيف جابوتنسكي.
ولعل من أبرز هذه المعتقدات ما كتبه ديفيد بن غوريون عامي1937 و1938 عن أن "الحيازة المتزايدة ليست ذات أهمية في حد ذاتها فحسب، بل لأنه من خلالها نزيد من قوتنا، وكل زيادة في القوة تساعد في حيازة الأرض ككل. إقامة الدولة حتى لو كانت على جزء بسيط فقط من الأرض، هي التعزيز الأقصى لقوتنا في الوقت الحالي ودفعة قوية لمساعينا التاريخية، سنحطم الحدود التي تفرض علينا، ليس بالضرورة عن طريق الحرب".
كذلك، لا يمكن المرور على دعوات عرابة الاستيطان في الضفة الغربية المشاركة في تأسيس حركة "غوش إيمونيم" دانييلا فايس، وفيها:" ما دمت أتنفس سأحارب حتى تكون أرض إسرائيل كلها بأيدينا، أرض إسرائيل بأكملها"، أو عن نشاطات الحاخام ميئر كاهانا، مؤسس حزب "كاخ" الإرهابي المحظور وعراب الكهانيستيم-الكهانية الدينية التي تجمع بشكل متناسب سياسة ائتلاف نتنياهو و"حرب النهضة" التي يقوم بها –الاسم المقترح بدلاً من "السيوف الحديدية"، ومعتقدات إيتمار بن غفير ومخططات سموتريتش الحاكم الفعلي للضفة الغربية.
من هنا يستمد المتطرفون أوهامهم، كما تستيقظ أحلامهم من سباتها مع كل حرب، فلا يجدون أمامهم من مفر إلا بتوسيع الحرب، معتبرين أن سيطرة إسرائيل على المنطقة بأكملها في المستقبل ستؤدي إلى القضاء على كل الخصوم، وأن السيطرة الأمنية بالمطلق ستمنع تنفيذ أي هجوم ضد إسرائيل، والأهم من ذلك أنها ستقضي على أي أمل بإقامة دولة فلسطينية.