نقلة دفاعية نوعية ستحققها إسرائيل مع إرسال الولايات المتحدة نظام "ثاد" للدفاع الجوي، وهو نظام متطوّر قادر على اعتراض الصواريخ البالستية بدقّة عالية. هذه الخطوة تحمل في السياسة والعسكر أبعاداً كثيرة، فالسباق نحو التسلّح يُشير إلى أن المنطقة مقبلة على تصعيد إضافي لا على التهدئة، وأن الأنظمة الدفاعية الإسرائيلية قد تكون غير قادرة على صدّ الهجمات المرتقبة وحدها.
تصعيد ضد إيران؟
الإشارة الأهم التي قد يحملها استقدام نظام "ثاد" الدفاعي إلى إسرائيل هو استعداد الأخيرة لهجوم قاسٍ من إيران، لن يحصل إلّا إذا كان الرد الإسرائيلي على إطلاق الصواريخ من الجمهورية الإسلامية قبل أسبوعين خارج قواعد الاشتباك، وبالتالي، فإن هذه الخطوة تدفع للافتراض بأن تل أبيب متجهة نحو التصعيد ضد طهران وجماعاتها، والضغط الأميركي فشل من جديد بلجمها.
إن نشر نظام "ثاد" هو مؤشر على أن الولايات المتحدة "تتوقع أن يكون الهجوم الإسرائيلي شاملاً يدفع الإيرانيين للرد"، وفق ما يرى آرون ديفيد ميلر، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، فيما تساءل هاريسون مان، وهو ضابط سابق بالجيش الأميركي عمل كمحلل في وكالة استخبارات الدفاع، عمّا قد يمنع إسرائيل من ضرب أهداف حسّاسة في إيران وعدت بتجنّبها، بعد وصول نظام الدفاع الجوي.
واللافت أيضاً أنّ إرسال النظام الدفاعي تزامن مع إعلان إيران وقف المباحثات غير المباشرة مع الولايات المتحدة في ظل التوتر الإقليمي الهادف لخفض التصعيد.
لكنّ للكاتب السياسي سام منسّى رأياً آخر، إذ يُشير إلى أن إرسال الولايات المتحدة "ثاد" ومعه 100 عنصر أميركي تقريباً لتشغيله "هو نوع من تطويق الرد الإسرائيلي على إيران ووضعه ضمن الإطار الأميركي وتحت إشراف واشنطن، حتى لا يتجاوز الحدود التي تهدّد أمن المنطقة، وهذا المبدأ يتوافق مع الزيارات التي يقوم بها مسؤولون أميركيون لإسرائيل"، بحسب ما يقول لـ"النهار".
تورّط أميركي في الحرب؟
إلى ذلك، ثمّة قلق أميركي من تورّط الولايات المتحدة بالحرب بعد إرسالها النظام الدفاعي إلى إسرائيل، وبحسب ميلر، فإن قرار نشر المزيد من القوات الأميركية في إسرائيل وسط هجوم وشيك "يزيد من خطر وقوع خسائر أميركية، وهو السيناريو الذي قد يجر الولايات المتحدة إلى الصراع"، خصوصاً إذا "أصابت الصواريخ الإيرانية جندياً أميركياً"، ما سيدفع بأميركا لاتخاذ "إجراء حركي ضد إيران".
المخاطر التي يتعرض لها الجنود الأميركيون الذين سيعملون على تشغيل نظام ثاد "واضحة"، وفق ما يرى الضابط السابق في الجيش الأميركي، الذي يُشير إلى أن الجنود سيعملون في قواعد عسكرية إسرائيلية أظهرت إيران وجماعاتها "قدرتها على ضربها"، وحتى مع الافتراض بأن نظام "ثاد" قادر على حماية المواقع من الصواريخ البالستية، فلا ضمانات من اختراق المسيّرات، كما حصل في بنيامينا.
الدفاعات الجوية استُنزفت؟
إرسال نظام "ثاد" يُشير إلى أن الأنظمة الدفاعية الإسرائيلية غير قادرة على مواجهة الهجمات الصاروخية البالستية تماماً. وبحسب "واشنطن بوست"، أظهر وابل الصواريخ الذي أرسلته إيران قبل أسبوعين أن نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي المتطور يُمكن التغلب عليه، ما يسمح لعشرات الصواريخ بضرب الداخل الإسرائيلي.
ويمكن أن يكون إرسال نظام "ثاد" علامة على أن مخزون إسرائيل من صواريخ السهم ومقلاع داوود الاعتراضية، وهي أنظمة دفاعات جوية إسرائيلية تعمل إلى جانب القبّة الحديدية، قد استُنزف بسبب الهجوم الصاروخي الإيراني في الأول من تشرين الأول (أكتوبر)، وفق ما يقول موقع "أكسيوس" الأميركي.
الحسابات الانتخابية حاضرة!
المتحدث باسم البنتاغون بات رايدر تحدّث عن هذا الإجراء العسكري، واعتبره "تأكيد التزام الولايات المتحدة الصارم بالدفاع عن إسرائيل، والدفاع عن الأميركيين في إسرائيل، من أي هجمات صاروخية بالستية أخرى من قبل إيران"، بعدما تعهّدت المرشّحة الديموقراطية كامالا هاريس بالدفاع عن الدولة العبرية.
للخطوة أبعاد انتخابية أميركية، وفي هذا السياق، تُشير صحيفة "واشنطن بوست" إلى توقيت إرسال أنظمة "ثاد" قبل ثلاثة أسابيع فقط من موعد الانتخابات الرئاسية. ويرى منسّى أنها "خطوة تُريد الإدارة الأميركية الديموقراطية استثمارها لاستقطاب داعمي إسرائيل بين الناخبين، خصوصاً أن الحزب الديموقراطي لا يزال في الحكم وقادراً على اتخاذ الإجراءات العملياتية".
في المحصلة، لا تعكس هذه الخطوة سوى مشهدية المزيد من التصعيد وتعزيز معادلات الردع، ومشهدية الدعم الأميركي المفتوح لإسرائيل بالرغم مما يُروّج عن اختلاف في وجهات النظر بين واشنطن وتل أبيب، وتضيف إلى التحديات العسكرية والأمنية تحدٍياً جديداً يكمن في تحييد القوات الأميركية عن أي استهداف، وإلّا توسّع الصراع أكثر.