بنيامين نتنياهو.
من المتوقّع أن يستغل الرئيس الأميركي جو بايدن مقتل زعيم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) يحيى السنوار على أيدي إسرائيل للضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من أجل إنهاء الحرب في غزة، لكن بالنظر إلى أن ولايته توشك على الانتهاء فإنه قد لا يملك نفوذاً كافياً لإخضاع رئيس الوزراء الإسرائيلي لما يريده.
وقد عزّز مقتل السنوار، العقل المدبر للهجوم الذي شنّته "حماس" في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 على إسرائيل وأشعل فتيل هذا الفصل الدموي من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الآمال في أنه قد يمهّد الطريق لإعادة إحياء المفاوضات المتوقفة والرامية إلى التوصل لاتفاق سعى إليه بايدن طويلاً لوقف إطلاق النار في غزة وتحرير الأسرى.
إلا أن مثل هذه النتيجة ليست مؤكدة على الإطلاق، إذ أن بايدن يواجه صعوبات متتالية ومتشابكة في الشرق الأوسط.
وستتعقد جهوده الرامية إلى وقف إطلاق النار في غزة بسبب القتال الذي تخوضه إسرائيل بالتوازي ضد جماعة "حزب الله" في لبنان، فضلاً عن الاستعدادات الإسرائيلية للرد على إيران التي تدعم كلاً من "حزب الله" و"حماس" بعدما أطلقت طهران وابلاً من الصواريخ الباليستية عليها هذا الشهر.
وقال النائب السابق لمسؤول المخابرات الوطنية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط جوناثان بانيكوف إن "وفاة السنوار من شأنها أن توفّر فرصة جديدة للرئيس بايدن للدفع مرّة أخرى نحو تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، ومن شأنها أن تزيد الضغوط على نتنياهو من أجل القيام بذلك".
وتابع بانيكوف الذي يعمل الآن في مؤسسة المجلس الأطلسي للأبحاث أن "إمكانية التوصّل إلى اتفاق لوقف الأعمال القتالية من عدمه سوف تعتمد على الزعيم الجديد لحماس- وعلى استعداد نتنياهو للإعلان أخيراً عن النصر وإبرام اتفاق".
ومع اقتراب موعد انتهاء ولايته والانتخابات المقرّرة في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) في الولايات المتحدة، قد يواجه بايدن صعوبة في إقناع نتنياهو بالاستجابة الكاملة لمناشداته.
ورغم أن إدارة بايدن أبلغت إسرائيل هذا الأسبوع بأنّه يتعيّن عليها أن تعمل على تحسين الوضع الإنساني في غزة وإلا فإنها ستواجه قيوداً محتملة على المساعدات العسكرية الأمريكية، فإنه لا يزال من غير الواضح مدى استعداد الولايات المتحدة للتصرف وفقاً لهذا التحذير.
ويقول بعض المحلّلين إن نتنياهو قد يفضل الانتظار حتى نهاية ولاية بايدن في كانون الثاني (يناير) المقبل وتجربة حظوظه مع الرئيس المقبل سواء المرشحة الديموقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس أو منافسها الجمهوري دونالد ترامب الذي تربطه بنتنياهو علاقات وثيقة.
ولم يرد البيت الأبيض حتى الآن على طلب للتعليق بشأن التحديات التي يواجهها بايدن.
وعبّر المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية جون ألترمان والذي يعمل الآن في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن عن تشاؤمه من أن نتنياهو سيستجيب للضغوط المتجدّدة من بايدن لاستئناف محادثات غزة التي توسطت فيها مصر وقطر.
وقال ألترمان إن نتنياهو "مقامر تحرّكه النجاحات السابقة، فهو يرى أن كل المجازفات الكبيرة التي اتخذها في الأشهر الستة الماضية، والتي قال الناس إنها جنونية، قد أتت بثمارها، والأمر الأكثر إثارة للإعجاب هو قتل يحيى السنوار".
مطالب متغيّرة
دأبت إدارة بايدن على اعتبار السنوار، المفكر السياسي والاستراتيجي الكبير في "حماس"، العقبة الرئيسية أمام الهدنة وتبادل الأسرى الذين تحتجزهم الحركة بسجناء لدى إسرائيل.
ولكن حتى مع استشهادهم برفض السنوار للتسوية، انتقد بعض المسؤولين الأميركيين نتنياهو في أحاديث خاصة لتعنته ومطالبه المتغيّرة بينما كان يسعى إلى استرضاء أعضاء اليمين المتطرّف في ائتلافه الحاكم.
ولم يهدر نتنياهو الكثير من الوقت في إعلان أن مقتل السنوار "صفى الحساب" مع زعيم حماس "الشرير" بينما أصرّ أيضاً على أن الحرب في غزة لم تنتهِ وأن إسرائيل ستواصل القتال لحين عودة أسراها.
وفي بيان صدر بعد فترة وجيزة، أيّد بايدن حق إسرائيل في القضاء على قيادة "حماس" لكنّه تحوّل إلى القول إنّه سيناقش مع نتنياهو سبيلاً "لإنهاء هذه الحرب مرّة واحدة وإلى الأبد".
ويعكس التناقض بين كلمات بايدن ونتنياهو بعض الخلافات بينهما بخصوص أسلوب إدارة رئيس الوزراء الإسرائيلي للحرب في غزة وقد تنذر بمزيد من التوتر.
اختير السنوار زعيماً لـ"حماس" بعد اغتيال رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية في طهران في تموز (يوليو). وأعقب ذلك اغتيال إسرائيل لأمين عام "حزب الله" حسن نصرالله في بيروت الشهر الماضي.
وبينما يشير بعض المحلّلين إلى أن مقتل السنوار قد يمنح نتنياهو غطاء سياسياً للتفاوض بمرونة أكثر، فإن أي تحرّك لإبرام صفقة مع "حماس" من المرجح أن يواجه مقاومة شرسة من أعضاء مجلس الوزراء اليمينيين المتطرّفين الذين عارضوا الشروط المقترحة سابقاً للاتفاق.
ولم يرد المسؤولون الإسرائيليون بعد على طلب للتعليق.
إن احتمالات نجاح بايدن في تنشيط جهود السلام في غزة تتضاءل بسبب الأسئلة عمن سيحل محل السنوار، الذي كان يتمتع بنفوذ لا مثيل له داخل "حماس". ولا يتمتّع أي من خلفائه المحتملين بالمكانة نفسها.
ومن غير المعروف من قد يتفاوض نيابة عن "حماس" ولديه السلطة لاتخاذ القرارات. ولم يتسنَ بعد الوصول إلى مسؤولي "حماس" للتعليق.
وقال الباحث الكبير في معهد الشرق الأوسط في واشنطن برايان كاتوليس "من الناحية العملية، تشكّل كيفية تنفيذ وقف إطلاق النار أو إنجازه تحدّياً حقيقياً في ظل حالة الفوضى التي عليها هياكل القيادة والسيطرة في حماس".
ومن وجهة النظر الإسرائيلية، يعتبر بعض المحلّلين أن الوقت قد يكون مناسباً الآن لتوجيه ضربات أقوى لـ"حماس" في ظل افتقارها لزعيم بدلاً من التراجع، ما يزيد من احتمالات تكثيف الحرب.
وقالت محلّلة الشرق الأوسط في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدّمة في واشنطن لورا بلومنفيلد "مع استمرار حساب الانتقام الإسرائيلي مفتوحاً مع إيران وسقوط صواريخ وكلاء طهران على تل أبيب، سيكون من الصعب على رئيس الوزراء نتنياهو التحوّل إلى السلام".