لم تأتِ إحدى أسوأ الضربات التي تعرّضت لها إسرائيل خلال عام من الحرب جراء صواريخ إيرانية ولا من صواريخ أطلقتها "حماس" و"حزب الله"، بل من طائرات مسيّرة، رغم أنّ الدولة العبرية قامت على مرّ السنوات ببناء منظومة دفاع جوي كان من المفترض أن توفّر لها حماية واسعة النطاق ضدّ الصواريخ قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، وكذلك المسيّرات. لكنّ هذا لم يحدث.
إسرائيل "تكافح" لإسقاط المسيّرات
وسلّطت قدرة الطائرات من دون طيار، التابعة خصوصاً لـ"حزب الله"، على اختراق منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية الضوء على سعي تل أبيب خلال العام الماضي للتصدي للمسيّرات القادمة من لبنان، كما من أماكن بعيدة مثل اليمن والعراق وإيران.
في مستهل الأسبوع، أعلن الجيش الإسرائيلي أنّ "حزب الله" استهدف مطار بن غوريون بـ5 طائرات مسيَّرة، فيما صدرت تعليمات بإيقاف العمل بالمطار لفترة موقتة.
السبت الماضي، قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن طائرة مسيّرة أُطلقت من لبنان باتجاه منزله في قيساريا، في حين غابت صفارات الإنذار عن المنطقة تزامناً مع الحادثة، وفق وسائل الإعلام الإسرائيلية. وأمس الثلاثاء تبنى "حزب الله" محاولة اغتيال نتنياهو بشكل رسمي.
في 13 تشرين الأول أكتوبر، قُتل 4 جنود إسرائيليين وأصيب العشرات بعد أن ضربت طائرة مسيّرة لـ"حزب الله" من نوع "مرصاد 1" قاعدة تدريب عسكرية لوحدة غولاني قرب بنيامينا جنوبي حيفا.
في تموز (يوليو) الماضي، استهدف الحوثيون مبنى سكنياً في تل أبيب ما أسفر عن مقتل مدني واحد.
وخلال أوقات متفرقة من هذا العام، بث "حزب الله" لقطات مصورة التقطتها مسيرات من نوع "هدهد" حلّقت فوق منشآت حساسة في حيفا والجولان وغيرها من المناطق الإسرائيلية، من دون أن يتمّ رصدها.
وفي هذا الصدد، قال المحلل العسكري رياض قهوجي لـ"النهار"، إن هذه المسيّرات "تشكّل خطراً جدّياً" على إسرائيل، مشيراً إلى أنّ "حزب الله يستخدمها بأسلوب ذكي".
وأضاف: "تمكّن حزب الله من استخدام هذه المسيّرات بفعالية، عبر إبقائها منخفضة واتباع مسارات تتخطّى منظومات الإنذار المبكرة والرادارات الإسرائيلية، وهذا مكّنه من ضرب أهداف مهمّة مثل استهداف معسكر لواء غولاني وثم مقر إقامة رئيس الوزراء".
نظام دفاعي بحاجة إلى تحسين
الرئيس السابق لقيادة الدفاع الجوي في الجيش الإسرائيلي ران كوخاف، قال لصحيفة "واشنطن بوست" إن "إسرائيل أمضت سنوات في التركيز على تعزيز أنظمة دفاعها الجوي لتحسين الحماية ضدّ الصواريخ والقذائف، ولكن لم يُنظر إلى الطائرات من دون طيار كأولوية قصوى"، معترفاً أنه "خلال القتال الحالي، قدرة إسرائيل على اكتشاف واعتراض الطائرات المسيّرة لم تكن بنفس النجاح الذي حققته في مواجهة الصواريخ والقذائف".
وفيما تمتلك إسرائيل نظاماً رائداً عالمياً في اكتشاف واعتراض الصواريخ، وجدت أنظمة الرادار الخاصة بها صعوبة أكبر في رصد المسيّرات.
وغالباً ما تحتوي الطائرات من دون طيار على معادن أقل وتنبعث منها حرارة أقل من الصواريخ والقذائف عالية السرعة، ما يعني أنها لا تطلق دائماً إنذارات. وحتى عندما يجري رصدها، يتمّ أحياناً الخلط بين المسيّرات المعادية والمسيّرات الإسرائيلية، بما في ذلك الطائرات الخاصة الصغيرة، لأنها تحلق على ارتفاعات وسرعات منخفضة مماثلة.
وفي هذا الصدد، قالت صحيفة "إسرائيل اليوم"، نقلاً عن تقديرات الجيش الإسرائيلي، إنه يتمّ اعتراض 80% من المسيّرات لكن 20% تخترق الدفاعات وقد تؤدي إلى عواقب وخيمة.
لذلك، يُجمع الخبراء على أن النظام الإسرائيلي المضاد للطائرات من دون طيار على وجه الخصوص، يحتاج إلى تحسين، بحسب ما أفادت صحيفة "نيويورك تايمز".
وقال قهوجي إن "الجيوش في العادة، عند حصول اختراق من هذا النوع، تعيد تقييمها لمنظومة الإنذار المبكر، وتُراجع طريقة انتشار الرادارات ليتمّ تحديد سبب حدوث الاختراق، وتتمّ مراجعة أيضاً آلية التنسيق بين وحدات الجيش وتُتخذ إجراءات لسدّ هذه الثغرات".
وأردف: "الجيش الإسرائيلي يعيد تقييم آلية انتشار الرادارات، ويحلّل إذا هناك داعٍ لنشر رادارات إضافية"، مشيراً إلى أنّ الجيش الإسرائيلي "سيبحث بالتأكيد عن حلول تمكّنه من الرصد المبكر".
ولفت قهوجي إلى أن "الدفاع دائماً يرتكز على الإنذار المبكر... كلما كانت الإنذارات المبكرة فعّالة كلما كانت القدرة على الاعتراض أكبر".
مسيّرة يصعب رصدها
وفي السياق، قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن تحقيقاً أولياً للجيش كشف أن الطائرة المسيّرة التي استهدفت منزل نتنياهو في قيساريا هي من نوع "صياد 107" التي يصعب رصدها واعتراضها.
وأشارت إلى أن "صياد 107"، الإيرانية الصنع، هي مسيّرة تكتيكية مهمتها جمع المعلومات الاستخبارية والهجوم، ويصل مدى طيرانها إلى 100 كلم، في حين يتراوح طول جناحيها بين 1.5 متر ومترين.