من كان يصدّق أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جبان إلى هذه الدرجة، أو يخاف من أحد غير زوجته سارة، أو أنه يخشى أي شيء غير خسارة منصبه ونفوذه، وأنه فعلاً يهاب الجلوس على كرسي أمام المدعي العام وقضاة المحكمة العليا لإتمام محاكمته؟
منذ أكثر من شهر يقضي نتنياهو معظم وقته في المخبأ تحت الأرض، ويخشى على حياته، لكن بعد استهداف منزله الخاص في قيساريا، وتحديداً غرفة نومه، قبل نحو أسبوعين بطائرة مسيّرة أطلقها "حزب الله"، لجأ للاحتماء والبقاء تحت الأرض لفترة أطول، بحسب ما أفادت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية التي قالت إنه يسعى للحركة الدائمة ويطالب بحظر نشر أماكن وجوده.
طائرات أف 35 لحمايته
وكان موقع "واللاه نيوز" العبري كشف أن زوجته سارة طلبت مرافقة طائرتين مقاتلتين من طراز "إف-35" لطائرة "جناح صهيون" التي أقلت بنيامين مع الوفد المرافق إلى الولايات المتحدة قبل نحو شهر لإلقاء خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتّحدة. ونقل الموقع عن مصادر محيطة بنتنياهو أنّ قرار سلاح الجو إرسال الطائرتين لمرافقة طائرة رئيس الحكومة خلال رحلة عودته، جاء نتيجة لمجموعة من الطلبات غير المسبوقة من سارة، التي خشيت استهداف الطائرة بالصواريخ عقب اغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله.
وفقاً للمصادر، تقدّمت سارة بالطلب نفسه حتى قبل اغتيال نصرالله، لكن قائد سلاح الجو تومير بار رفض ذلك.
لا تنتهي القصة هنا، فوفقاً للموقع العبري، قدّم مكتب نتنياهو طلباً آخر لسلاح الجو لالتقاط صورة جويّة لطائرة رئيس الحكومة وإلى جانبها المقاتلتين لتوثيق المرافقة. لكن سلاح الجو رفض هذا الطلب، وأُعطيت التعليمات للمقاتلتين بالتحليق خلف الطائرة، بحيث لا يمكن تصويرها لاستخدامها في العلاقات العامة لنتنياهو وعائلته.
في الوقت ذاته، طلب فريق مكتب نتنياهو من قبطان الطائرة الطيران بطريقة تمكّن الركاب من رؤية المقاتلتين من النوافذ. رُفض هذا الطلب أيضاً من سلاح الجو. وفي ظل غياب الصورة، أبلغ مكتب رئيس الوزراء الصحافيين عن المرافقة غير العادية لطائرات "إف-35" بسبب مخاوف من تهديد الصواريخ، وتصدّرت هذه الأخبار العناوين في وسائل الإعلام العبرية.
فوبيا المسيّرات... أم المحكمة؟
وخلال الأسابيع الماضية، كثيراً ما كان نتنياهو، إلى جانب وزراء ومسؤولين، يعقد اجتماعات في أماكن محصّنة تحت الأرض، تُعرف بالعبرية بـ"البونكر"، رغم استهزائه المتواصل وغيره من القادة الإسرائيليين من احتماء قادة "حماس" و"حزب الله" في أنفاق وأماكن تحت الأرض، وكثيراً ما أشاروا إلى أن رئيس الحركة الراحل يحيى السنوار، والأمين العام للحزب الراحل السيّد حسن نصرالله يعيشان باستمرار داخل خندق أو حفرة.
وفي الوقت الذي تشكّل فيه تحدّياً كبيراً أمام سلاح الجو الإسرائيلي لصعوبة رصدها، تتسلّل المسيّرات يومياً إلى إسرائيل من الساحات المختلفة. تصل إلى أهدافها وتنفجر، ولا يمكن أن يكون ذلك صدفة. فبعد دراسة يبدو أن "حزب الله" أدرك أنّ نقطة ضعف المضادات الجوية الإسرائيلية هي المسيّرات.
ووفقاً لاعتقاد الخبراء والمحلّلين الإسرائيليين، لا يظهر نتنياهو دافع الخوف فقط، بل إنه سيستغل ذلك إلى أقصى درجة ممكنة. يشير الصحافي في "هآرتس" غيدي فايس إلى أنّه يفعل ذلك تمهيداً لتبرير تغيّبه عن جلسات شهادته في المحكمة الشهر المقبل بقضايا الفساد والرشوة وخيانة الأمانة التي يواجهها.
ويرى فايس أنّ نتنياهو بدأ هذا الأسبوع التحضير لتقديم طلب لتأجيل شهادته في المحكمة. ووفقاً لما أوردته هيئة البث الإسرائيلية (كان) فإنّه حذّر في جلسة مغلقة من احتمال تعرّض الكنيست لهجوم بالطائرات المسيّرة، كما تذمّر من استمرار انعقاد جلسات الهيئة العامة كالمعتاد.
في ذلك اليوم، نُقل اجتماع الحكومة الإسرائيلية من مكتب نتنياهو إلى الطبقة الرابعة تحت الأرض في مبنى آخر لأسباب أمنية. ولفت فايس إلى أن إطلاق المُسيّرة من لبنان نحو منزله في قيساريا حوّل خوف نتنياهو إلى قلق حقيقي، وبات يرى أنه يجب أن يكون في حركة مستمرة لخداع من يعتقد أنهم يسعون لاغتياله.
وفي إطار الجهود لضمان سلامة نتنياهو، يُنظر في إمكان اشتمال تشريع أو قرار حكومي على حظر تام لنشر مكان وجوده وكبار المسؤولين الآخرين، وربما فرض عقوبات جنائية على وسائل الإعلام أو المواطنين الذين يفعلون ذلك. وفي الآونة الأخيرة، قُدِّم طلب إلى جهاز الأمن العام (الشاباك) للحصول على رأي حول هذا الإجراء.
لم يتقدّم نتنياهو بعد بطلب تأجيل إلى المحكمة، لكن أحد مساعديه قال إنّ "الشهادة لا يمكن أن تتم في بداية كانون الأول(ديسمبر) المقبل لسببين: إدارة الحرب لا تسمح له بالاستعداد للشهادة، والوجود الدائم في المحكمة المركزية في القدس في هذا الوقت ما يعرّض حياته وحياة جميع الحاضرين في القاعة للخطر".
وختم فايس: "في النهاية نحن لا نريد العيش في دولة حيث يعيش رئيس الوزراء مختفياً عن الأنظار في مكان محصّن تحت الأرض طوال الوقت، ولا يدير شؤون الدولة كما يجب، ولا يقوى حتى على تقديم شهادته في المحكمة ".