رجل يحمل علم إسرائيل (أ ف ب).
ثمّة قناعة في صفوف أوساط خبراء الشرق الأوسط أن حرب إسرائيل ضد إيران والتنظيمات التي تدعمها لا تقتصر على إنهاء تهديدات "حماس" و"حزب الله"، ولن تكون قصيرة الأمد، بل إن المؤشرات تشي بأن المنطقة أمام حرب طويلة ستمتد أشهراً وسنوات ولن تنتهي قبل إرساء معادلات جديدة تتغيّر بموجبها موازين القوى في الشرق الأوسط، وتتبدّل من خلالها الخرائط السياسية والعسكرية.
ترى إسرائيل في الحرب المندلعة "فرصة ذهبية" لم تتوفّر لها منذ عقود، وقد لا تتكرّر خلال مراحل مستقبلية، تُريد من خلالها استغلال القوّة العسكرية والاستخباراتية التي راكمتها لضرب نفوذ إيران المتعاظم، وسيناريو غزّة قد لا ينحصر في القطاع، وبدأ بالانتقال إلى جنوب لبنان وبقاعه وقد يتمدّد نحو كافة المناطق التي تنتشر فيها فصائل إيران.
في هذا السياق، نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالاً عنوانه "الحملة الطويلة التي تشنّها إسرائيل لإعادة تشكيل الشرق الأوسط"، أشارت فيه إلى أن إسرائيل تُحاول فرض نظام جديد، أو ما يسمّيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "التحوّل الإستراتيجي" لتغيير "الواقع الأمني في منطقتنا للأجيال القادمة"، ثقبت من خلاله الجدران الضخمة التي حصّنت نفسها بها وانتقلت نحو ساحات الخصوم.
تفكيك محور إيران
الهدف التكتيكي الأوّل في التحوّل الاستراتيجي هو "تفكيك محور إيران"، وبالاعتقاد الإسرائيلي، فإن إضعاف "حماس" و"حزب الله" معناه إضعاف دفاعات إيران في الخطوط الأمامية ضد إسرائيل. وبرأي أمير أفيفي، الجنرال المتقاعد ومؤسس منتدى الدفاع والأمن الإسرائيلي، فإن "إيران فقدت عمقها الاستراتيجي، وهذه اللحظة المناسبة لإخراجها من المعادلة"، وفق ما يقول لـ"فايننشال تايمز".
يترجم أفيفي حديث نتنياهو عن النصر الكامل إلى "إسقاط المحور الشيعي"، متوقعاً "حملة طويلة" لن تتوقف حتى "يركع النظام الإيراني"، ما يدفع باتجاه فكرة إعادة تشكيل المنطقة. وفي هذا السياق، يرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة لندن فواز جرجس أن نتنياهو يُريد إعادة تشكيل وصياغة المشهد السياسي في كل الشرق الأوسط.
سقوط "حزب الله" يعني سقوط المحور؟
ثمّة اعتقاد سائد بأن سقوط "حزب الله" يعني سقوط المحور الإيراني، كونه أقوى الفصائل عسكرياً، ويُشير جرجس، في حديث لـ"النهار"، إلى الإجماع داخل إسرائيل على أن "حزب الله" هو "رأس حربة" محور إيران، وأن اغتيال السيد حسن نصرالله هو "بداية لتغيير المشهد السياسي في لبنان والإقليم"، والقيادة الإسرائيلية تعتقد أن "هزيمة الحزب عسكرياً وعقائدياً يمكن أن تشكّل المفتاح في إعادة بناء نظام جديد تسيطر عليه ".
أحد أهم أركان عملية تغيير الشرق الأوسط هي إضعاف قوّة محور إيران العسكرية، وفي الإطار، يقول جرجس إنّ هدف إسرائيل نزع سلاح "حماس" و"حزب الله" وتحويل غزة ولبنان إلى "مسرح للعمليات الإسرائيلية أشبه بالمسرح العسكري في سوريا"، وهذا يفتح الباب على المشهد السوري حيث تنتشر الفصائل الإيرانية، وتقصف إسرائيل بشكل مستمر.
سوريا... ساحة قتال لوقف الإمداد؟
وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت يقول لـ"فايننشال تايمز" قبل إقالته: "لا يمكننا قبول الوجود الإيراني المسلّح في سوريا. نحن بحاجة إلى وقف نقل الأسلحة، من إيران عبر سوريا والعراق إلى لبنان"، وفي هذا السياق، يرصد خبراء تكثيف إسرائيل ضرباتها على مواقع في سوريا، وهذه العمليات تتناسب مع حديث جرجس عن رغبة إسرائيل بتدمير قدرات "حزب الله" العسكرية، كون سوريا الممر الوحيد لنقل الأسلحة.
تغيير النظام في إيران
هدف تغيير الشرق الأوسط لا يتوقف على "حماس" و"حزب الله"، بل يتعداه ليصل إلى إيران، ومُحاولات تل أبيب تدمير برنامج طهران النووي ليست خفية، وجرجس يتحدّث أيضاً عن "هدف تغيير النظام الإيراني واعتماد نتنياهو على وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض"، لكنّه يستبعد رغبة الأخير "بالتورّط بحرب جديدة في الشرق الأوسط لأن رؤيته جيو-اقتصادية ولا يؤمن بالحروب الأبدية".
الأهداف الاستراتيجية تحتاج وقتاً طويلاً من الحروب لتتحقّق، وثمّة قناعة عسكرية بأن إسرائيل غير قادرة على تدمير مراكمات إيران التسلّحية في حرب قصيرة الأمد، ما يفتح الباب أمام حرب طويلة قد لا تنتهي بغضون أشهر. ومن جهته، يعتقد جرجس أنّ "الحرب طويلة، ومنسوب الخطر يزيد خلال مرحلة انتقال السلطة في الولايات المتحدة".
في المحصّلة، الشرق الأوسط ليس أمام حروب ذات أهداف تكتيكية، بل أمام حرب شاملة أهدافها استراتيجية تبدأ بتغيير موازين القوى وقد لا تنتهي إلّا مع إرساء نظام إقليمي جديد تُسيطر عليه إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة، يُضعف النفوذ الإيراني وقد يُبقي المنطقة في حالة حرب في حال قرّر النظام الإيراني إعادة تسليح فصائلها واستعادة قوّته العسكرية.