جدارية كبيرة للصواريخ الإيرانية في إيران.
يدفع السياسيون المتطرفون في إسرائيل إلى ضرب المنشآت النووية الإيراني، رداً على إطلاق إيران صواريخ استهدفت مقرّات للجيش الإسرائيلي والموساد ليل الثلاثاء الماضي، وهذا الخيار مطروح على طاولة بحث الكابينيت الأمني ضمن سلسلة خيارات أخرى للانتقام، ضمنها ضرب مصالح اقتصادية أو مواقع عسكرية أو حتى تنفيذ اغتيالات في الداخل الإيراني.
لكن ثمة أسئلة كثيرة وتحدّيات أكثر امام ضرب إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية، منها ما هو مرتبط بقدرات إسرائيل على فعل ذلك عسكرياً، ومنها ما هو متعلّ بتوفّر القرار السياسي لتنفيذ ضربة بهذا الحجم قد تجر المنطقة إلى حرب أوسع وأشمل تنخرط فيها قوى عالمية، كالولايات المتحدة، كونها تمثّل التصعيد الأخطر في الحرب الدائرة بين الطرفين منذ عقود.
لا يُمكن لهذه الضربة أن تتم دون ضوء تنسيق مع الولايات المتحدة بالدرجة الاولى، وفق ما يقول مراقبون، لأنّ الملف النووي شأن إقليمي دولي لا إسرائيلي فحسب، ومهاجمته قد تخلّف تبعات عالمية لا محلّية فقط، ثم أن جدلاً يدور حول قدرة إسرائيل عسكرياً استهداف هذه المنشآت دون مساعدة أميركية، إذ ورغم التقنيات المتطورة التي تملكها إسرائيل، تبقى قاصرة دون العتاد الأميركي.
يوم الأربعاء الماضي، كان الرئيس الأميركي جو بايدن حاسماً حينما سُئل عما إذا كان سيؤيد توجيه ضربة إسرائيلية إلى المنشآت النووية الإيرانية، فأجاب بشكل لا لبس فيه: "الجواب هو لا".
"فايننشال تايمز" تتطرّق إلى هذه المسألة، وتنقل عن محلّلين قولهم "دون دعم الولايات المتحدة، فإن الضربة الجوية الإسرائيلية المنفردة على المنشآت النووية الإيرانية ستكون محفوفة بالمخاطر، وفي أفضل الأحوال، ستؤدّي إلى تأخير برنامجها بدلاً من تدميره".
هل بإمكان إسرائيل تنفيذ العملية؟
معوّقات لوجستية أيضاً تفرض نفسها على هذه العملية، تعدّدها صحيفة "فايننشال تايمز":
التحدي الأول هو المسافة، إذ تبعد إسرائيل عن القواعد النووية الرئيسية الإيرانية أكثر من ألف ميل، وللوصول إليها، يتعيّن على الطائرات الإسرائيلية عبور المجال الجوي للمملكة العربية السعودية والأردن والعراق وسوريا، وربما تركيا.
لكن هذا العائق لن يمنع تنفيذ العملية، لأن إسرائيل نفسها كانت قد استهدفت ميناء الحُديدة اليمني قبل أيام في سياق هجومها على الحوثيين، وقطعت مسافة 1800 لتنفيذ الضربة، وهي مسافة أبعد من تلك الواجب قطعها لاستهداف منشآت إيران النووية، حسب تقرير آخر نُشر في الصحيفة نفسها.
العائق الثاني هو الوقود. ووفقاً لتقرير صادر عن دائرة أبحاث الكونغرس الأميركي، فإن الطيران إلى الأهداف والعودة من شأنه أن يستنزف كل قدرة إسرائيل على التزود بالوقود جواً، ولا يترك مجالاً للخطأ.
التحدّي الثالث والأبرز يتمثّل بالدفاع الجوي الإيراني، إذ إن المواقع النووية الرئيسية في البلاد تخضع لحراسة مشدّدة، وسوف تحتاج القاذفات الإسرائيلية إلى حماية من قبل طائرات مقاتلة.
ثم أن ضرب المواقع النووية يتطلّب قوّة جوّية تتألف من مئة طائرة حربية تقريباً، ووفقاً لتقرير مركز أبحاث الكونغرس، وهو ما يعادل ثلث الطائرات القادرة على القتال والتي تمتلكها القوات الجوية الإسرائيلية، البالغ عددها 340 طائرة، حسب ما تنقل "فايننشال تايمز".
ماذا عن السلاح المطلوب؟
إن تدمير منشأتي التخصيب النووي الرئيسيتين في إيران، نطنز وفردو، قد يكون الهدف الرئيسي لإسرئيل، إلّا ان مصنع تخصيب الوقود الضخم في نطنز يقع تحت عمق كبير تحت الأرض، في حين أن مصنع في فوردو محفور في جبل، وسوف يتطلب تدمير هذين المصنعين أسلحة قادرة على اختراق عشرات الأمتار من الصخور والخرسانة المسلحة قبل أن تنفجر.
تحدّي القنبلة
تمتلك إسرائيل قنابل خارقة للتحصينات، مثل قنابل GBU-31 التي يبلغ وزنها 2000 رطل والتي اغتالت من خلالها الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، لكن هذه القنابل قد لا تكون مافية، إذ تُشير التقارير الإسرائيلية إلى أن 80 قنبلة استخدمت في تلك الضربة، ومن غير المرجح أن يؤدي وابل مماثل من القنابل إلى تدمير المنشآت النووية الإيرانية الأكثر حماية.
في هذا السياق، يقول المحللون إن هناك سلاحاً تقليدياً واحداً فقط قادر على القيام بهذه المهمة، وهي القنبلة الخارقة للدروع الضخمة GBU-57A/B. يبلغ طول هذه القنبلة العملاقة الموجهة بدقة نحو ستة أمتار، وتزن 30 ألف رطل، ويمكنها أن تخترق ستين متراً من الأرض قبل أن تنفجر، وفقاً للجيش الأميركي.
ومن غير المعلوم ما إذا كانت إسرائيل تمتلك مثل هذه القدرات، لكن بعض صناع السياسات الأميركيين السابقين اقترح مراراً وتكراراً أن تقوم واشنطن بتزويدها بهذه القدرات.
لكن امتلاك هذه القنبلة لن يحل المشكلة، لأن إسرائيل لا تمتلك القاذفات المخصّصة لها، ووفق إيهود إيلام، الباحث السابق في وزارة الدفاع الإسرائيلية، فإنه حتى لو تمكّنت إسرائيل من الحصول على القنبلة الخارقة للتحصينات، فإن "طائراتها المقاتلة من طراز إف-15 وإف-16 وإف-35 لن تتمكن من حملها".
وحسب إيلام، "لا توجد فرصة" لأن تتمكن إسرائيل من شراء قاذفة أميركية استراتيجية، مثل بي-2 سبيريت، اللازمة لإسقاط مثل هذه القنبلة.
من الناحية النظرية، تستطيع إسرائيل بدلاً من ذلك استخدام إحدى طائرات النقل من طراز سي-130 جيه هيركوليس لإسقاط القنبلة من أبواب الشحن، وهي عملية معقدة تعرف باسم "إسقاط المنحدر"، ولكن هذه القنبلة ليست مصممة لهذا النوع من القصف، وهذا يفرض تحدياً جديداً.
ما البديل؟
إن الطائرات الإسرائيلية قادرة على تعطيل المواقع النووية بقصف مداخل الهواء وقسم من بنيتها التحتية، وقد يؤدي هذا إلى تعطيل الدرجة العالية من الدقة التي تحتاجها أجهزة الطرد المركزي المستخدمة لتخصيب اليورانيوم، لكن هذه الضربة لن تدمّر البرنامج، بل ستؤخره.
وبالتالي، يُمكن الوصول إلى خلاصة واضحة مفادها أن إسرائيل وحدها لن تكون قادرة على الأغلب على تدمير برنامج إيران النووي، وستحتاج إلى دعم أميركي سياسي وعسكري لتنفيذ هذه العملية، إلّا انها قادرة على إحداث أضرار بالمنشآت النووية، وهو خيار مطروح، لكن نتائجه قد لا تكون مضمونة.