"أعتقد أنها موجودة بوضوح على لائحة الأهداف". ما قاله الليفتنانت-جنرال المتقاعد من الجيش الأميركي كيث كيلوغ في مقابلة إعلامية عن احتمال ضرب إسرائيل منشآت نووية إيرانية قد لا يتحقق. لكنه يشير بالحد الأدنى إلى تجرؤ كبير لدى الإسرائيليين على تنويع وتضخيم أهدافهم العسكرية.
لعل الضربات القاسية التي وجهتها إسرائيل إلى "حماس" و"حزب الله" بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر) تتصدر بعض الأسباب التي تشرح التصعيد الإسرائيلي المطرد. وهناك أيضاً شبه الشلل السائد في واشنطن وسط الحملة الرئاسية. في الواقع، قد تكون هذه الحملة سبباً غير مقصود لتصعيد جديد.
يوم الجمعة، قال ترامب خلال تجمع انتخابي في كارولاينا الشمالية، إن الرئيس الأميركي جو بايدن كان مخطئاً في تحذير إسرائيل من ضرب المنشآت النووية الإيرانية: "أليس هذا ما يُفترض أن تضربه؟".
وفي انتقاد لتحذير بايدن الذي ورد في إجابته عن سؤال أحد المراسلين، أضاف ترامب: "كان على الجواب أن يكون ضرب (المنشآت) النووية أولاً والقلق بشأن ما سيحدث لاحقاً".
ضغط على الديموقراطيين؟
ربما منح كلام ترامب الحكومة الإسرائيلية زخماً إضافياً. سيأخذ الجمهوريون أي كلام أو سلوك رسمي مقيّد لإسرائيل كدليل على أن الديموقراطيين لا يقومون بما يكفي لحماية حليفة واشنطن. ليست هذه السردية مناسبة في الشهر الأخير الذي يسبق الانتخابات الرئاسية. إذا بينت الصحف أن الإدارة ضغطت بشدة على إسرائيل كي لا تقصف المنشآت النووية، وحتى المنشآت النفطية، فقد لا يكون الديموقراطيون في وضع مريح. لكنهم قد لا يكونون في مأزق أيضاً.
ثمة مخاطرة في ضرب المنشآت النووية الإيرانية من دون ضوء أخضر أميركي، ونتنياهو يدرك ذلك على الأرجح. ستظل إسرائيل بحاجة إلى الدعم الأميركي العسكري بالحد الأدنى لمواصلة الحربين على "حماس" وخصوصاً على "حزب الله". منذ انطلاق الحرب في أكتوبر 2023، خصص الكونغرس ما لا يقل عن 12.5 مليار دولار من المساعدات العسكرية لإسرائيل، منها 8.7 مليارات دولار من مخصصات أُقرت في نسيان (أبريل) 2024، بحسب تقرير لـ"مجلس العلاقات الخارجية". وثمة مذكرة تفاهم بين الطرفين نصت على منح إسرائيل 3.8 مليارات دولار سنوياً حتى سنة 2028. تمثل المساعدات الواردة في مذكرة التفاهم نحو 10 في المئة من الإنفاق السنوي الإسرائيلي على التسلح.
وتحتاج إسرائيل أيضاً إلى المساعدات الاقتصادية من أميركا بعد تعرض اقتصادها للإنهاك. قبل هجوم 7 أكتوبر، توقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد الإسرائيلي بـ 3.4 في المئة، ثم انخفضت التقديرات إلى ما بين 1 و 1.9 في المئة. وقد يكون النمو في السنة المقبلة أضعف بحسب شبكة "سي أن أن". في الإطار نفسه، قد تحذف الحرب – على افتراض بقائها ضمن الوتيرة الحالية – نحو 12 في المئة من الناتج القومي.
ومهما كان شكل الانتقام الإسرائيلي، ستتجه أنظار تل أبيب إلى واشنطن لمساعدتها في الدفاع عن نفسها بمواجهة الرد الإيراني المحتمل. إذاً، لن يكون تخطي نتنياهو رغبات بايدن أمراً سهلاً.
وكلمات ترامب قد تثني نتنياهو
لا ترتبط الحسابات الاستراتيجية فقط بشاغل البيت الأبيض. يلعب شكل الكونغرس أيضاً دوراً في السياسة الخارجية الأميركية. أشار أستاذ التاريخ والشؤون العامة في جامعة برينستون جوليان زيليزر إلى أهمية الكونغرس في مساعدة الرئيس على تنفيذ أجندته في الداخل والخارج. وفي مجلة "فورين بوليسي"، تطرق إلى ما حدث في ولاية الرئيس الأسبق رونالد ريغان حين عرقل الديموقراطيون سياساته الخارجية المتشددة في دعم التمرد ضد الأنظمة المتحالفة مع الاتحاد السوفياتي. إلى الآن، وكما أن السباق متقارب جداً بين هاريس وترامب، يبدو التنافس أيضاً في مجلسي النواب والشيوخ محتدماً. لا يُستبعد على سبيل المثال أن يفوز الديموقراطيون بالبيت الأبيض وأن يخسروا غرفتي الكونغرس معاً.
في الواقع، وبشكل مفاجئ، قد يدفع كلام ترامب نتنياهو إلى التردد في قصف المنشآت النووية لا إلى تشجيعه على استهدافها. ما فعله ترامب في كلامه هو أنه وجّه لمحة إضافية إلى ما يفكر به إذا نجح في الانتخابات الرئاسية: هو مستعد لإنهاء البرنامج النووي الإيراني بالقوة العسكرية؛ وبالحد الأدنى هو لا يمانع التباحث في خطة كهذه.
إذاً، لِمَ المخاطرة بقصف منشآت نووية إيرانية وإغضاب الديموقراطيين، فيما يمكن تأجيل الملف بانتظار مجيء إدارة جمهورية ستكون منفتحة على هذه الفكرة؟ يجد هذا التساؤل سنداً أقوى إذا فاز الجمهوريون بالكونغرس أيضاًً. ففي نهاية المطاف، لن يحتاج نتنياهو فقط إلى الضوء الأخضر من الولايات المتحدة، بل أيضاً إلى دعمها اللوجستي والعسكري، وبشكل مثالي، إلى مشاركتها في القصف أيضاً.
تضارب
يعني كل ذلك أن حسابات نتنياهو ليست سهلة. قد يخسر الجمهوريون السباقين الرئاسي والتشريعي معاً. بذلك، سيكون قد فوت على نفسه الفرصة الوحيدة لضرب هكذا أهداف، على افتراض أن جيشه قادر على النجاح بمفرده في هذه العملية.
بالمقابل، إذا رأى الديموقراطيون في تصرفات نتنياهو ضد منشآت إيران النووية (وحتى النفطية) أحد أسباب خسارتهم للرئاسة بسبب ارتدادات سلوكه الإقليمي على الداخل الأميركي، فقد يظلون قادرين على "الانتقام" منه لاحقاً عبر الكونغرس.
باختصار، إن الأسباب الأميركية التي قد تساعد نتنياهو على التصعيد ضد غزة وحزب الله حالياً هي نفسها التي يمكن أن تقيد تصعيده ضد إيران؛ على الأقل في الوقت الحالي.