النهار

أردوغان لا يرى تركيا بعيدة عن جنوب لبنان... ماذا لو دفعت إسرائيل نحو "بلقنة" الشرق الأوسط؟
سميح صعب
المصدر: النهار
أردوغان لا يرى تركيا بعيدة عن جنوب لبنان... ماذا لو دفعت إسرائيل نحو "بلقنة" الشرق الأوسط؟
اردوغان ونظيره الصربي فوتشيتش في بلغراد (أ ف ب)
A+   A-

في العقد الأخير، دار الصراع الإقليمي على النفوذ بين ثلاث قوى، هي إيران وتركيا وإسرائيل. السابع من تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي خلط الأوراق. والحرب الإسرائيلية على غزة التي مضى عليها أكثر من عام وتوسعت أخيراً إلى لبنان تعيد ترتيب التوازنات، بينما تستعد إسرائيل لتوجيه ضربة عسكرية واسعة لإيران، وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عنواناً لها، ألا وهو تغيير الواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط. 

   
في ما مضى، شكلت حركة "حماس" قاسماً مشتركاً بين إيران وتركيا. الأولى تقدم الدعم التسليحي والمالي، والثانية تقدم الحماية السياسية لقادة الحركة الذين استقر الكثير منهم على الأراضي التركية، بعد خروجهم من سوريا في 2011. وإضعاف الحركة يضعف النفوذين التركي والإيراني معاً. أما في حالة "حزب الله" فالأمر يختلف لناحية العلاقة العضوية مع إيران، بينما لا يعرف عن أنقرة تمتعها بعلاقات خاصة مع الحزب. وكان مفاجئاً ما كشف عنه وزير الخارجية التركي حقان فيدان أخيراً عن اجتماعه مع الأمين العام للحزب حسن نصرالله بعد عشرة أيام من اندلاع حرب غزة.    

 

تضررت إيران أكثر بكثير من تركيا بفعل الحرب الإسرائيلية، فقد أضعفت  "حماس" ومن ثم "حزب الله"، في وقت تترقب طهران بقلق احتمالات اندلاع مواجهة شاملة، قد تؤول إلى صدام أميركي-إيراني مباشر.    

 

التفسير المبسط للأمور، يقود إلى استنتاج مفاده أن تراجع موقع إيران إقليمياً بفعل التمدد الإسرائيلي وما لحق من خسائر جسيمة بحلفاء طهران، قد يجعل تركيا في موقع إقليمي أفضل. لكنه استنتاج متسرع قياساً إلى التحولات الكبرى التي تمر بها المنطقة والتي لم تشهد لها مثيلاً منذ عام 1948.   

 

هل هذا يعني أن تركيا مستهدفة أيضاً على مستوى النفوذ والمصالح، على غرار  إيران، وأن "الاستقلال الثاني" لإسرائيل وفق تعبير نتنياهو، سيفضي إلى هيمنة قوة واحدة على المنطقة، وأن ما كان قائماً قبل 7 تشرين الأول لم يعد له وجود؟       

 
من يصغي إلى تحذيرات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الأيام الأخيرة، أو بالتحديد منذ بدء محاولات التوغل البري الإسرائيلي في جنوب لبنان، يرى أن تركيا بدأت تحدس بأنها لن تكون بمنأى عن مضاعفات الأحداث الكبرى الجارية.   

 

قال أردوغان في طريق عودته من جولة في البلقان شملت ألبانيا وصربيا، إن إسرائيل "تضع الأراضي التركية نصب عينيها بعد فلسطين ولبنان". وذهب إلى حد التحذير من أن إسرائيل "ستأتي إلى الشمال السوري بعد احتلالها دمشق".    

 

هذه السيناريوات المخيفة إن صحت، تعني أن المنطقة برمتها أمام تحولات زلزالية، تخشى تركيا معها أن تدفع ثمن المقامرة الإسرائيلية التي لم يتبين أين هي الحدود التي من الممكن أن تقف عندها. وماذا لو لعبت إسرائيل على وتر العرقيات والقوميات والطوائف في المنطقة؟ عندها لن تكون تركيا بعيدة عن الحريق إذا أرادت إسرائيل "بلقنة" الشرق الأوسط.        

 

والمخاوف المذكورة ربما كانت تقبع في خلفية ذهاب أردوغان في اتجاه تعزيز العلاقات مع مصر والعراق واليونان، وإبداء النية بفتح صفحة جديدة مع الرئيس السوري بشار الأسد. لا بل أن ثمة أنباء عن استعداد لدى الحكومة التركية لمعاودة التفاوض مع زعيم "حزب العمال الكردستاني" المسجون عبدالله أوجلان حول صيغة لوقف النار والمصالحة.   

 

إن اتساع دائرة الخطر الإسرائيلية لا يلقي بثقله على إيران فقط، بل على تركيا أيضاً، الأمر الذي يحتم على أنقرة المبادرة إلى قرارات استباقية لتعزيز الداخل والتوجه الإيجابي نحو الجوار.    

 

قد يكون أردوغان العائد من البلقان، أقرب رمزياً إلى ما تعنيه تلك المنطقة في التاريخ السياسي. وعليه، فإن الرئيس التركي يقيس المسافة من الحدود من جنوب لبنان الذي يحاول الجيش الإسرائيلي التوغل فيه إلى أقرب منطقة تركية، فيرى إنها فقط 170 كيلومتراً.     

اقرأ في النهار Premium