استبعد نائب رئيس حزب "الشعب الجمهوري" المعارض في تركيا إلهان أوزغيل وجود تهديد حقيقي من إسرائيل لبلاده، معتبراً أن التهويل بذلك يهدف إلى توجيه اهتمام الرأي العام التركي نحو أخطار خارجية خدمة لأجندات تتعلق بالسياسة الداخلية للسلطة.
وقال أوزغيل، المسؤول عن السياسة الخارجية في حزب "الشعب الجمهوري"، في مقابلة مع "النهار"، إنّ حزبه لم يأخذ تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن الخطر الإسرائيلي على تركيا على محمل الجد.
وكان أردوغان تحدّث في افتتاح أعمال الدورة الجديدة للبرلمان التركي بداية الشهر الجاري عن "أطماع إسرائيلية في تركيا" قائلاً إن "العدوان الإسرائيلي سيشمل تركيا أيضاً.. والإدارة الإسرائيلية التي تتصرف بوهم الأرض الموعودة، تضع نصب أعينها بعد فلسطين ولبنان، وطننا".
وكشف أوزغيل، الذي يشغل منصب وزير الخارجية في حكومة الظل، التي أسسها حزب "الشعب الجمهوري" المتصدّر للانتخابات المحلية الأخيرة في تركيا، عن طلب تقدّم به حزبه لمناقشة الادّعاءات التركية، إذ قدّم كل من وزيري الخارجية والدفاع وعلى مدى 5 ساعات شرحاً للبرلمانيين في جلسة مغلقة.
وقال أوزغيل: "لقد فوجئنا في البداية بتصريحات الرئيس أردوغان (بشأن التهديد الإسرائيلي)، لأن تركيا وإسرائيل لا تربطهما حدود مباشرة، إذ تفصل بيننا وبين إسرائيل سوريا بأكملها، لذلك طلب رئيس حزبنا عقد جلسة مغلقة. لكن في تلك الجلسة لم يتم تقديم أي شيء ملموس أو أي دليل أو معلومات موثّقة"، مضيفاً: "خلال فترة حكومة أردوغان، لم تُلحق تركيا أي ضرر بإسرائيل، كما ولم تؤثر سياساتها بشكل سلبي على إسرائيل. على سبيل المثال، استمر التبادل التجاري بين البلدين حتى أيار (مايو) الماضي. وباستثناء الخطابات العالية السقف، لم يسبب أردوغان أي مشكلة لإسرائيل فعلياً".
الحكومة اكتشفت فجأة تهديد "قسد"
بالتزامن مع ادّعاءات أردوغان، بدأت بعض وسائل الإعلام المقرّبة من الحكومة في البلاد الحديث عن احتمالات إقدام إسرائيل على استفزاز تركيا من خلال "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) المدعومة أميركياً في سوريا، وهو ما ألمح اليه أردوغان نفسه في مستهل إجابته عن السؤال السابق مطالباً روسيا وإيران ودمشق بـ"إجراءات أكثر فعالية ضد هذا الوضع الذي يشكل أكبر تهديد لسلامة الأراضي السورية".
في المقابل، بيّن أوزغيل أن "تركيا تعتبر وحدات حماية الشعب تهديداً ملموساً، لكن هذا ليس بالأمر الجديد. هذه الوحدات لم تُنشأ في الأمس، بل موجودة منذ عام 2015، وتلقّت دعماً عسكرياً من الولايات المتحدة لتعزيز قوتها. فإذا كانت الحكومة التي لم تقم بأي خطوة ملموسة حيال وحدات حماية الشعب حتى الآن، واكتشفت فجأة هذا التهديد مثلما اكتشفت فجأة التهديد الإسرائيلي، فإن ذلك ليس له معنى كبير بالنسبة إلينا".
وأضاف أوزغيل: "إذا كان أردوغان يدّعي أن إسرائيل تدعم وحدات حماية الشعب، فهو لم يقدّم أي دليل ملموس يثبت ذلك. كان عليه أن يعرض لنا البيانات الملموسة حول هذه التهديدات المزعومة".
التجارة مع إسرائيل مستمرة
رغم حديث الإعلام الرسمي عن قطع أنقرة علاقاتها التجارية مع تل أبيب، كشفت الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة التجارة التركية استمرار هذه العلاقة، من خلال الالتفاف على وثائق الشحن وإظهار وجهة الصادرات التركية إلى فلسطين بدلاً من إسرائيل.
وبشأن هذه الادّعاءات، قال أوزغيل: "في الحقيقة، المال موجود في كل جانب من جوانب سياسات أردوغان، في كل سياسة هناك حرص على مكاسب الفئة الاقتصادية المحيطة به. وفي موضوع التجارة مع إسرائيل نجد اجتماع هذين الأمرين معاً. يقول أردوغان لا تلتفتوا إلى الانتقادات الحادة الموجهة إلى إسرائيل، موقفنا (من مسألة مواصلة التجارة) واضح".
وشرح أوزغيل أن "هناك معارضة لإسرائيل بين الناخبين المحافظين في تركيا، الذين يشكلون قاعدة دعم كبيرة وقوية جداً لأردوغان، الذي يمنع ردود فعل هذه الفئات. وهذه هي أكبر منفعة لإسرائيل؛ اذ يتحكّم أردوغان بمشاعر ناخبيه بشأن حرب غزة، وبالتالي فإن عدم اتخاذه أي إجراءات عملية ضد إسرائيل لا يُثير غضبهم، كما أن استمرار التجارة مع إسرائيل هو جزء من هذه السياسة".
زيارة دمشق
وعن العلاقة مع سوريا أفاد أوزغيل بأن "حزب الشعب الجمهوري، كانت لديه وجهة نظر مختلفة عن الحكومة تجاه سوريا منذ البداية، فأردوغان حاول إطاحة حكومة الأسد منذ عام 2011، ولكننا كنا دائماً نعارض هذه السياسة. في الماضي، قام وفد من حزب الشعب الجمهوري بزيارة دمشق، ولذلك كنا على تواصل مع سوريا والأسد ونرى الحل بشكل مختلف عما كانت تراه الحكومة التركية. الآن، المفاوضات بين حكومة أردوغان وحكومة الأسد متعثّرة، ولا يتم اتخاذ أي خطوات ملموسة".
وتابع أوزغيل: "نسعى إلى لعب دور إيجابي، ولهذا السبب بادرنا إلى طرح زيارة رئيس حزبنا للأسد. هدفنا هو فهم موقف دمشق من تركيا والقضايا العالقة بشكل مباشر، والاستماع إلى أفكارها بشكل مباشر. وثانياً، نريد توضيح رؤيتنا لمشكلة سوريا، وهذا هو غرضنا الأساسي".
وعن ردّ سوريا على طلب الزيارة، قال أوزغيل: "يمكنني القول إننا لم نتلقَ رداً سلبياً. بمعنى أن الحكومة السورية لم ترفض لقاءنا، ولكن توقيت ذلك مهم. كان هناك احتمال لعقد اجتماع مع أردوغان، ولكنه لم يتحقق. نحن ننتظر الخبر الذي سيصدر عن دمشق".
تركيا ستكون "جديرة بالثقة"
ورأى أوزغيل أن " تركيا فقدت قدرتها على اتخاذ زمام المبادرة. هناك صراعات تدور شمالاً وجنوباً، وأنقرة لا تُظهر أي وجود فعلي في أي منها، ولم تتخذ أي مبادرة بشأن هذه القضايا. تركيا عضو في حلف الناتو ومنظمة التعاون الإسلامي، لكنها لا تستطيع تفعيل دورها في أي من هذه المؤسسات. وزير الخارجية التركي لا يستطيع تنفيذ دبلوماسية فاعلة في المنطقة. هذه أمور تعكس عجزاً وضعفاً كبيرين. هناك الكثير من الأمور التي يمكن لدولة بحجم تركيا أن تقوم بها من دون أن تكون طرفاً مباشراً في النزاع، لكنها للأسف لا تقوم بأي منها".
واعتبر أوزغيل أن "هذا نقص كبير. ولو كنا في السلطة أو حينما نصل إليها، سنكون شريكاً موثوقاً وجديراً بالثقة لجميع الأطراف، سواء كانوا جيراناً أم حلفاء أم دولاً أخرى. نعد الجميع أنّ تركيا تحت قيادة حزب الشعب الجمهوري لن تغير مواقفها من يوم إلى آخر، وستكون دولة تتّخذ مبادرات بناءة في السياسة الخارجية. سنعمل على إقامة علاقات مبنية على الثقة مع جيراننا، وبالتالي نعد حلفاءنا وجيراننا بأن تركيا ستكون دولة مستقرة وجديرة بالثقة يُصغى إليها".