زادت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن "خطة خبيثة في منطقتنا لا تقتصر على غزة والضفة الغربية ولبنان" من منسوب التوتر بين تركيا وإسرائيل، باعتبار أن الموقف التركي المستجد ليس صادراً من محللين أتراك أو من الصحافة المحلية، بل من رأس الدولة نفسه، خصوصاً أنها دفعت البرلمان التركي إلى عقد جلسة سرية لن يُكشف عما نوقش خلالها لمدة عشر سنوات، لأنها تعتبر من أسرار الدولة.
فهل من خطر حقيقي على وحدة الأراضي التركية أم أن لأنقرة أهدافاً أخرى خفية؟
أستاذ القانون والعلاقات الدولية سمير صالحة يربط التصعيد التركي بـ"اتساع رقعة المعارك وانتقالها إلى الجبهة اللبنانية، ما يعني احتمال اتساعها وانتقالها إلى الجبهة السورية في حسابات أنقرة، ويبدو أن التركيز الإسرائيلي هو على توسيع الحرب ومحاولة إطالة عمر المواجهات، ما يعني أيضاً تحول التصعيد الإسرائيلي إلى عملية استنزاف إقليمي للعديد من دول المنطقة وبينها تركيا".
شرق أوسط جديد
النقطة الأساسية التي تقلق أنقرة، بحسب صالحة، هي الدعم الأميركي لمجموعات "قسد" (قوات سوريا الديموقراطية) في شرق الفرات، والحديث الدائم عن "تقارب وتنسيق بين هذه المجموعات وإسرائيل"، لكنه لا يستبعد أيضاً أن يكون "تصعيد أدروغان مرتبطاً كذلك بالمسار السياسي الاقتصادي في الداخل التركي، أي محاولة تحريك العامل القومي وتوحيد الداخل التركي ضد إسرائيل في سيناريوات التصعيد الإقليمي".
الموقف الأميركي يظهر تمسكاً بسياسة نتنياهو، ويُترجم بمساعدات مالية وعسكرية بمليارات الدولارات، وهذا سيقوي الموقف الإسرائيلي، بحسب صالحة، الذي يشير إلى أن "أنقرة لا تريد أن ترى اللاعب الإسرائيلي يتحول إلى لاعب إقليمي مؤثر بعد الحديث عن شرق أوسط جديد وتغيرات جغرافية وحدودية وديموغرافية تدفع الجانب التركي إلى الاستعداد لكل السيناريوات".
ومن بين السيناريوات التي تخشاها تركيا تغيير خرائط في سوريا يفتح الطريق أمام كيان كردي مستقل، لذلك تتمسك أنقرة بالانفتاح على دمشق والذهاب إلى طاولة حوار تقطع الطريق على هذا الاحتمال.
ولا يستبعد صالحة" مساومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ورقة النظام في دمشق، لكن موضوع إيران سيكون أوسع وأشمل، فكيف سيكون رد فعل روسيا إزاء سيناريو استهداف بهذا الشكل، وأيضاً الموقف الصيني؟ بعد أن فتحت إيران خطوط تواصل استراتيجية مع بكين وموسكو".
"مخططات توسعية"
الخبير في الشأن التركي علام صبيحات يتحدث عن "قناعة تركية بأنّ حجم الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان يتجاوز بكثير ردّ الفعل على هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وبأنّ ما تقوم به إسرائيل يصل إلى مستوى بدء تطبيق فعلي لمخططات توسّعية في كلّ المنطقة، وصولاً الى السيطرة على مساحات كبيرة من أراضي فلسطين ولبنان وسوريا والأردن والعراق والجنوب التركي.. وهذه السياسة التوسعية الإسرائيلية مدعومة من الدول الغربية، وعلى رأسها أميركا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا".
ويذكّر صبيحات بأن الرئيس التركي حذّر من أن "المسافة بين ولاية هاتاي جنوب تركيا وحدود لبنان، بالسيارة، ساعتان ونصف الساعة فقط.. ما يعني قرب الخطر الإسرائيلي من تركيا"، كما قدّم وزيرا الخارجية والدفاع التركيان خلال جلسة البرلمان السرية شرحاً مفصلاً حول المعطيات المتعلقة بخطر التوسع الإسرائيلي على تركيا والأمن القومي التركي.
ثمّ إنّ المشروع الأميركي بالتعاون مع المقاتلين الأكراد يشجع على اقتطاع أراضٍ من سوريا لإقامة دويلة كردية، وهذا المشروع وفق صبيحات "يشكّل خطراً كبيراً على الأمن القومي لتركيا، لأنه إن حدث سيؤدي إلى تكوين دويلة موالية تماماً للأميركيين وصديقة مقرّبة لإسرائيل، وستدعم أكراد الداخل التركي، (بخاصة في مناطق جنوب وجنوب شرق وشرق تركيا)، وهي المحاذية للشمال والشمال الشرقي لسوريا (مناطق وجود المقاتلين الأكراد السوريين/وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة أميركياً)".
وفي الأسبوع الأخير شهدت تركيا "لغة تصالحية" في الداخل، بخاصة من زعيم القوميين الأتراك دولت باهتشيلي (حليف أردوغان) بشأن ضرورة تحقيق المصالحة بالداخل (مع الأكراد) وضرورة حلّ كل المشكلات والخلافات من خلال البرلمان التركي وتحت سقفه، ما فُهم على أنه تغيير في استراتيجية التعامل مع الأكراد، لقطع الطريق على تمرّدهم المحتمل وطموحاتهم، إذا ما طبّقت الخطة الأميركية.
وتخشى تركيا، بحسب صبيحات، من "سيطرة إسرائيلية على مساحات واسعة في الجنوب السوري (مرحلة أولى)، ثمّ تتبعها مراحل لاحقة للسيطرة على المزيد من الأراضي، وصولاً إلى الأراضي التركية، بما يشمل مناطق واسعة من ولايات هاتاي، غازي عنتاب، شانلي أورفا، ماردين، وغيرها في جنوب تركيا"، لكنه يشير أيضاً إلى "اعتقاد بعض المراقبين بأن هذه التصريحات التركية، هي لتبرير خطوات تركية محتملة قادمة على الأرض في الشمال السوري بحجّة منع الخطر الإسرائيلي من الاقتراب من الحدود التركية".
وفي حين يعتبر البعض أنّ أنقرة تحاول تحييد نفسها عسكرياً، وتخاطب الولايات المتحدة بهذا الخصوص، إلا أنّه بحسب مراقبين فإنّ أي اجتياح إسرائيلي محتمل لمناطق في الجنوب السوري، يعطي مبرراً لاجتياح الجيش التركي مناطق جديدة شمال سوريا وفرض سيطرتها هناك.