نشطت حركة العبور غير الشرعي من إيران إلى تركيا بعد إعلان طهران عزمها على ترحيل المهاجرين غير الشرعيين المقيمين على أراضيها حتى نهاية العام الحالي، ويقدّر أن ما لا يقل عن 100,000 شخص بدأوا التحرك غرباً نحو تركيا هرباً من الترحيلات الوشيكة.
هرب من "طالبان" فاختطف في تركيا
بعد وصوله إلى ولاية فان التركية، بوابة الأفغان للهرب من جحيم بلادهم إلى "نعيم أوروبا"، ظنّ الشاب الأفغاني عمارداد أنّ رحلته الطويلة والخطرة عبر الطرق الوعرة من بلده إلى إيران مروراً بباكستان توّجت بالنجاح، من دون أن يدري أن الخطر بدأ للتو.
اختطفت عصابة الشاب البالغ من العمر 23 عاماً بعدما تسلمته من المهرّب، لتبدأ رحلة الشقاء التي انتهت بتحريره مع عشرات المخطوفين الآخرين بمداهمة قوات الجندرما التركية سجونهم الواقعة على حافة الجدار الحدودي.
ويروي عمارداد قصّته لـ"النهار" من ولاية إدرنة التركية حيث يقيم منتظراً خبراً من المهرّب الذي يفترض أن ينقله إلى اليونان، قائلاً: "نجحت في بلوغ تركيا في المحاولة الرابعة، بعد محاولتين انتهتا باحتجازي في مركز المهاجرين غير الشرعيين في تركيا قبل تسليمي إلى السلطات الإيرانية، وثالثة انتهت باختطافي".
ويضيف الشاب البائس: "آلاف الأفغان يخاطرون بحياتهم، منهم من اختطف وقتل لعدم تمكّن عائلته من دفع الفدية، ومنهم نساء تعرضن للاغتصاب والتعذيب، وكل ذلك على أمل الحصول على شروط حياة أفضل".
ويقضي المهاجرون فترة وجيزة في مدن إيرانية مثل مشهد وتبريز وطهران قبل محاولة العبور إلى تركيا في رحلة محفوفة بالأخطار، حيث يواجهون ظروف الطقس القاسية وخطر العنف. وتشير التقارير إلى أن متوسط الوقت المستغرق للسفر من أفغانستان إلى تركيا يتراوح بين 25 و35 يوماً، ويقضي بعض المهاجرين معظم هذه الفترة سيراً على الأقدام للوصول إلى الحدود.
إيران تمهل اللاجئين حتى نهاية العام
خلال حملته الانتخابية وعد الرئيس الإيراني مسعود بزشيكيان بمعالجة ملف اللاجئين في إيران، مدّعياً أنهم يساهمون في خلق العديد من المشاكل الاجتماعية، بما في ذلك تعاطي المخدرات والبطالة، واضعاً ترحيلهم أولوية أساسية لإدارته.
بعد تولّيه المنصب، أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية بسرعة خطة مستعجلة لترحيل اللاجئين غير الشرعيين المقيمين في البلاد، مع تحديد مهلة نهائية حتى نهاية كانون الأول (ديسمبر) المقبل، ما أثار قلقاً كبيراً بين هؤلاء، لا سيما الأفغان منهم، الذين يخشون العودة إلى بلادهم.
وتستضيف إيران حالياً نحو 5 ملايين لاجئ، معظمهم من الأفغان الفارين من النزاعات في بلادهم، بخاصة بعد تسلم حركة "طالبان" السلطة في آب (اغسطس) 2021.
لا حلول لوقف موجة اللاجئين
القرار الإيراني دق ناقوس الخطر في تركيا، التي فرضت إجراءات أمنية أكثر صرامة على مناطقها الحدودية مع إيران، محوّلة بعضها إلى مناطق عسكرية مغلقة، فيما تؤكد تقارير إعلامية من شرق البلاد نجاح نحو 300 لاجئ يومياً، في العبور متخطّين الإجراءات الأمنية التركية، مقابل احتجاز العديد من هؤلاء اللاجئين، وخصوصاً الأفغان، قبل أن يعاد ترحيلهم.
بناء تركيا، المصممة على الحد من الهجرة غير النظامية، الجدار الحدودي مع إيرن، جعل رحلة المهاجرين أكثر خطورة، اذ باتوا يضطرون الآن إلى عبور المناطق الجبلية القاحلة من دون أي غطاء أو موارد، ما يجعلهم أكثر عرضة لأفعال المهربين، كما أن قلة الأشجار والعوائق الطبيعية في هذه المناطق تعقّد قدرتهم على التهرب من قوات الأمن التركية التي تقوم بدوريات على الحدود.
يقول الصحافي التركي المتابع لملف اللاجئين روشان تقوى: "رغم بناء السلطات التركية جدرانا اسمنتية عالية وحفرها خنادق على طول الحدود، إلا أن اللاجئين وجدوا طرقاً للتحايل على هذه التدابير، مثل استخدام سلالم تتم سرقتها من منازل القرى الحدودية الإيرانية لتسلق الجدران ليلاً، أو العبور من خلال حفر أحدثها المهرّبون في جسم الجدار وغيرها".
ويضيف ابن مدينة فان في حديثه إلى "النهار": "هذه التدابير زادت من تكلفة تهريب اللاجئين؛ اذ ارتفعت تكلفة العبور من 400 ليرة تركية سابقاً إلى حوالى 27,000 ليرة (نحو 800 دولار أميركي) للشخص الواحد مقابل الوصول إلى مدينة فان".
ووفق تقوى فإنّ "اللاجئين الذين هم في غالبيتهم من الأفغان بالإضافة إلى باكستانيين وبنغلادشيين وحتى إيرانيين، خلقوا اقتصاداً ضخماً غير شرعي في المنطقة. كل ليلة، يقدر عدد اللاجئين العابرين بين 300 و500 شخص، ما يخلق تدفقاً مالياً كبيراً، يقدّر بين 300,000 و500,000 دولار أميركي يومياً، وذلك من دون احتساب أموال تجارة المخدرات التي تمر عبر الحدود مع اللاجئين".
خطر ديموغرافي على تركيا
يعتبر التحول الكبير في الرأي العام تجاه المهاجرين في إيران جديداً. كان هناك سابقاً مستوى من الشعور بعدم الراحة بشأن وجودهم، لكن الأشهر الأخيرة شهدت زيادة ملحوظة في الخطاب المعادي للمهاجرين في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، وقد تسرّب هذا الشعور إلى مختلف الفصائل السياسية، بما في ذلك الجماعات المحافظة التي كانت سابقاً صامتة بشأن هذه القضية.
وتشير الحكومة الإيرانية إلى العديد من المشكلات الاجتماعية المنسوبة إلى الزيادة في عدد المهاجرين، مثل ارتفاع معدلات البطالة، والمشاكل المتعلّقة بالمخدرات، والضغوط على الخدمات العامة مثل التعليم والرعاية الصحية، وقد أدّت هذه المخاوف إلى دعوات متزايدة إلى اتخاذ إجراءات ضد هؤلاء.
واستجابةً للضغط العام، قامت السلطات الإيرانية بتسريع خطط ترحيل المهاجرين غير الموثقين، إلى جانب بناء جدار على طول الحدود مع أفغانستان لمنع المزيد من العبور غير القانوني وتعزيز الأمن الحدودي.
وفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، هناك نحو 4 ملايين مهاجر في إيران، بينهم 800,000 معترف بهم كلاجئين. ومع ذلك، تشير مصادر أخرى إلى أن العدد الفعلي قد يصل إلى 8 وحتى 10 ملايين.
ويؤكد المسؤولون الإيرانيون أن قرابة 5 ملايين أجنبي يقيمون في البلاد، 90% منهم أفغان. وقد أثار هذا التعداد مخاوف بشأن التداعيات الطويلة الأجل على النسيج الاجتماعي والأمن الوطني لإيران.
لكن تقوى يرى أن "هناك إشارات متزايدة إلى أن الحكومة الإيرانية تُخطط لشيء أكبر في المستقبل، ربما تحضيراً لحرب محتملة، إذ تقوم "بتنظيف" الداخل من اللاجئين الذين تعتبرهم تهديداً للأمن القومي. يتم ترحيل الأفغان شرقاً إلى أفغانستان، بينما يتم دفع اللاجئين في الغرب نحو الحدود مع تركيا".
وبحسب تقوى "من الواضح أن إيران تستخدم قضية اللاجئين ورقة ضغط سياسي، مشابهة للطريقة التي هددت بها تركيا بفتح الحدود أمام اللاجئين إلى أوروبا في فترات سابقة، وهي من جهة أخرى، قد تقوم بدمج عناصر استخبارية مع اللاجئين، ما يجعل الموضوع أكثر تعقيداً".
إلى جانب الخطر الأمني يشير تقوى إلى خطر آخر يهدد تركيا من خلال السياسات الإيرانية الجديدة: "هناك تغير ملموس في التركيبة المذهبية والاجتماعية في تركيا بسبب اللاجئين. فالكثير من هؤلاء اللاجئين هم من الطائفة السنّية، وأتباع الطريقة النقشبندية الواسعة الانتشار في تركيا أيضاً، ما يعكس تأثيراً واضحاً على التركيبة الديموغرافية لمصلحة الفئات المحافظة على حساب الفئات العلمانية والديموقراطية في البلاد".
بعد كل ما سبق يبدو أن هناك خطة إيرانية لزيادة الضغط على تركيا من خلال دفع أعداد متزايدة من المهاجرين نحو حدودها، ما يمكن أن يتحوّل إلى "صراع دفع وجذب" بين أنقرة وطهران في المستقبل القريب.