النهار

هل يسلك ترامب الطريق الذي سلكته كلينتون في 2016؟
جورج عيسى
المصدر: النهار
الانتخابات لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات، ومع استثناء مفاجأة مفصلية، لن يكون بالإمكان ترجيح فوز مرشح على آخر في ما تبقى من الحملة الانتخابية. لكن تحديداً بسبب إمكانية خسارته السباق بفارق ضئيل، يمكن أن يكون ترامب نفسه قد ساهم بإهدار فرصة دخوله مجدداً البيت الأبيض.
هل يسلك ترامب الطريق الذي سلكته كلينتون في 2016؟
ترامب وكلينتون خلال المناظرة الرئاسية الثانية في ولاية ميسوري عام 2016 (ا ف ب)
A+   A-
بالرغم من مرور ثمانية أعوام على السباق الرئاسي بين المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون ومنافسها الجمهوري دونالد ترامب، لا تتوقف المقارنات أو الاستنتاجات بشأن الانتخابات التي غيّرت وجه أميركا إلى حد كبير. حقق ترامب الآتي من عالم الأعمال مفاجأة استثنائية حين استطاع الانتصار على منافسته الآتية من قلب "المؤسسة" الأميركية في واشنطن. لكن يبدو أن هناك من قد ينتقم لكلينتون.

 

في 15 أيلول (سبتمبر) الماضي، كتب سام بيدويل مقالاً في مجلة "ذا كريتيك" البريطانية طرح فيه ملاحظات يمكن أن تساعد على إنتاج قراءة استشرافية لمستقبل لم يعد بعيداً.

 

"امتياز"

رأى بيدويل أن بإمكان ترامب مواجهة الخسارة هذه السنة للأسباب نفسها التي أفشلت كلينتون سنة 2016. هو لم يعد الرجل المسلي الذي كان عليه، وإنما أمسى أكبر سناً وأكثر غضباً وعرضة لفقدان التركيز. الأهم من ذلك بحسب الكاتب نفسه هو أن ترامب يجسد "الامتياز" الذي كان مصدر إخفاق كلينتون. أصبح المرشح الجمهوري واثقاً بنفسه إلى درجة أنه يرتكب أخطاء تكتيكية مثل عدم الإنفاق في ولايات أساسية كأريزونا وكارولاينا الشمالية (حملة كلينتون تجاهلت أيضاً بعض الولايات بحسب مراقبين) واختياره نائب رئيس لا يوسع قاعدته الناخبة. كذلك، تبدو هاريس الآن أقرب من ترامب إلى أن تكون الشخص الآتي من خارج المؤسسة.

 

ملاحظات بيدويل دقيقة. من يتابع تجمعات ترامب الانتخابية يدرك حجم تكرار الشكاوى نفسها، وفي بعض الأحيان تعثر تسلسل الأفكار لديه. ولا يزال المرشح الجمهوري غير قادر على تقبل نتيجة خسارته انتخابات 2020 وبشكل أقل تحمل حتى جزء من مسؤولية أحداث 6 كانون الثاني (يناير). ويَظهر أن ترامب يغرق أيضاً في نظريات المؤامرة التي يروج لها اليمين المتطرف على وسائل التواصل الاجتماعي مما يدفعه إلى إطلاق تصريحات لا أساس لها عن قيام بعض المهاجرين بأكل حيوانات أليفة في مدينة سبرينغفيلد بولاية أوهايو.

 

ولا يمكن نسيان لحظة المناظرة التي جرّت فيها هاريس منافسها إلى فخ محكم حين شككت بحجم تجمعاته الانتخابية، ليرد عليها بالطريقة المتوقعة عن الأعداد الكبيرة التي تأتي للاستماع إليه، بعكس تجمعاتها كما قال. وفي ما يتعلق بتكرار أفكاره، يمكن الإشارة إلى حديثه الدائم عن أنه لو كان رئيساً للولايات المتحدة، لما كان العالم قد شهد حربي أوكرانيا والشرق الأوسط. باختصار، لم يعد لدى ترامب الكثير من الطروحات الجديدة ليقدمها إلى الناخب الأميركي، بما فيها اللمحات التي كانت تسلي بعضاً من جمهوره على الأقل.

 

إذاً، هل يواجه المصير نفسه؟

ليس بالضرورة. في الواقع، قد يكون ترامب بعيداً بعض الشيء من هذا المصير في الوقت الحالي. بالرغم من كل السلبيات التي تحيط به، لا يزال التنافس غير محسوم. بداية، إن كانت هاريس قد فازت في المناظرة التي جمعتها بترامب، فنائبها تيم والز لم يكمل جهدها عبر توجيه ضربة قاضية إلى التذكرة المنافسة خلال مناظرة نيابة الرئاسة. وهذا تقدير ملطف.

 

بحسب "سي بي إس نيوز"، اعتقد 42 في المئة من مشاهدي المناظرة أن فانس فاز، مقابل قول 41 في المئة إن والز هو الذي انتصر. وبحسب آرون بلايك من "واشنطن بوست"، خسر والز المناظرة "بفارق ضئيل". ما إذا كان ذلك سيساهم في الإبقاء على حظوظ التذكرة الرئاسية مسألة أخرى. يرجح إدوارد لوس من "فايننشال تايمز" ألا يؤثر فوز فانس على الانتخابات. لكن بالحد الأدنى، لم يمثل فانس عبئاً على التذكرة، كما كانت إطلالاته الإعلامية في السابق.

 

ثانياً، كان واضحاً أن زخم هاريس وصل إلى ذروته تقريباً في الفترة القصيرة التي تلت مؤتمر شيكاغو. بعدها ثبتت أرقامها إلى حد بعيد. والأهم أن أرقامها في الولايات المتأرجحة مستقرة أيضاً. بحسب "ريل كلير بوليتيكس"، يُظهر معدل استطلاعات الرأي في تلك الولايات الحاسمة أن ترامب يتقدم على منافسته بـ 0.1 نقطة، أي أن الطرفين متعادلان عملياً.

 

ترافق ذلك مع صدور نتائج استطلاعات مشروع "ذا بْرَيكثرو" لتعقب كيفية متابعة الجمهور لأخبار الانتخابات، حيث تراجع استماع الأميركيين لأي شيء عن هاريس، كل أسبوع، بدءاً من تاريخ المناظرة مع ترامب أوائل أيلول الماضي. وفي الوقت نفسه، أصبحت نبرة المتابعين لها أكثر سلبية أيضاً.

 

ثالثاً، ثمة رقم معبر يقدم مؤشراً سلبياً آخر لهاريس. محلل الاستطلاعات في شبكة "سي أن أن" هاري إنتن أشار الأسبوع الماضي إلى أن 28 في المئة فقط من الناخبين يعتقدون أن البلاد هي على "المسار الصحيح". وأوضح أنه تاريخياً، بالتحديد منذ سنة 1980، كان الحزب الموجود في البيت الأبيض يخسر السباق الرئاسي عندما يقول نحو 25 في المئة من الناخبين إن البلاد تسلك مساراً خاطئاً. بالمقابل، يفوز الحزب الموجود في البيت الأبيض بالسباق الرئاسي عندما يرى ما معدله 42 في المئة من الناخبين أن البلاد هي على الطريق الصحيح.

 

شعور خطِر

يبين ما سبق أن الانتخابات لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات، ومع استثناء مفاجأة مفصلية، لن يكون بالإمكان ترجيح فوز مرشح على آخر في ما تبقى من الحملة الانتخابية. لكن تحديداً بسبب إمكانية خسارته السباق بفارق ضئيل، يمكن أن يكون ترامب نفسه قد ساهم بإهدار فرصة دخوله مجدداً البيت الأبيض. إن ثقة ترامب الكبيرة بنفسه، والتي تشبه بشكل ما ثقة كلينتون سنة 2016، قادرة على التسبب جزئياً بإفشال حملته في نهاية المطاف. ربما عندها، ستكون كلينتون قد أطلقت ضحكتها الأخيرة.

 

 

اقرأ في النهار Premium