في الثامن من تشرين الأول (أكتوبر)، تساءل الكاتب في صحيفة "واشنطن بوست" مارك ثيسن عن سبب عدم دعوة المرشح الجمهوري دونالد ترامب سفيرته السابقة إلى الأمم المتحدة نيكي هايلي كي ترافقه في حملته الانتخابية. فخلال الانتخابات التمهيدية الجمهورية، نالت الديبلوماسية السابقة أكثر من 4 ملايين صوت أميركي من بينها نحو مليون صوت في الولايات المتأرجحة. سنة 2020، خسر ترامب الانتخابات الرئاسية بفارق أقل من 43 ألفاً في ثلاث ولايات. لهذا السبب، دعا ثيسن الرئيس السابق لاصطحاب هايلي معه إلى تجمعاته الانتخابية، كي تكون صلة الوصل مع الناخبين المؤيدين للحزب الجمهوري، لكن المشككين بالأداء الشخصي لترامب. وكتب ثيسن أن عدم تعاون المرشح الجمهوري مع هايلي قد يكلفه الرئاسة.
ثقة بالنفس؟
قد تكون حسابات ترامب في مكان آخر. بشكل مرجح، يعتقد الرئيس السابق أن بإمكانه حسم المعركة بمفرده. ما يؤيد هذه الفرضية هو خياره لنيابة الرئاسة على التذكرة الجمهورية. في هذا الخيار، بحث ترامب عن وريث لتياره لا عن فرصة لتوسيع القاعدة الناخبة. لهذا السبب، اختار ترامب جيه دي فانس نائباً له، إذ يعد الأخير من النواة الصلبة لتيار "ماغا" (اجعلوا أميركا عظيمة مجدداً).
من جهة ثانية، حتى مع احتدام التنافس بين ترامب ومنافسته كامالا هاريس، ليس هناك ما يدعو المرشح الجمهوري إلى الشعور بقلق مفرط. توقفت شعبية هاريس عن التوسع بعد مؤتمر شيكاغو الديموقراطي في آب (أغسطس)، ويبدو أن الأداء الجيد لهاريس في المناظرة الرئاسية لم ينعكس كثيراً على أرقامها في استطلاعات الرأي. يضاف إلى ذلك أن أرقام ترامب في ولايات "الجدار الأزرق" إيجابية إلى حد ما، إذ أظهر استطلاع جامعة كوينيبياك الصادر في 9 تشرين الأول (أكتوبر) أن ترامب يتقدم على منافسته في ولايتين من أصل الولايات الثلاث التي كانت تصب تاريخياً في مصلحة الديموقراطيين. في ويسكونسن وميشيغان، تقدم ترامب على هاريس بنقطتين وثلاث نقاط على التوالي. وحقق المرشح الجمهوري تقدماً بسيطاً بالمقارنة مع آخر استطلاع أجرته الجامعة نفسها الشهر الماضي.
خطر
لو أراد ترامب هايلي في حملته لكان دعاها للانضمام إليه في وقت سابق. بعد نهاية الانتخابات التمهيدية وما رافقها من تبادل للانتقادات القاسية بينهما، عرفت العلاقة الثنائية منعطفين. كان الأول حين أعلنت هايلي في أواخر أيار (مايو) نيتها التصويت لترامب. رداً على سؤال إحدى المراسلات عما إذا كان هناك من مساحة لها "في فريقك، أو حتى أفضل، على بطاقتك" بعد إعلان تأييدها، أجاب ترامب: "أعتقد أنها ستكون في فريقنا، لأننا نملك الكثير من الأفكار نفسها". وأضاف أنها "شخص متمكن جداً، وأنا واثق بأنها ستكون في فريقنا بشكل من الأشكال، بالتأكيد". لم يتحقق ذلك.
في الواقع، ظلت العلاقة فاترة حتى محاولة اغتيال ترامب في 13 تموز (يوليو). بعدها، بدا أن تلك المحاولة غيرت شخصية ترامب، وذكرت تقارير حينها أنه بعدما لم يكن يريد توجيه دعوة إليها كي تحضر المؤتمر الوطني الجمهوري، تراجع عن رأيه عقب الحادثة، فدعاها إلى إلقاء كلمة خلال المؤتمر. لكن مع مرور الوقت، عاد ترامب إلى "طبعه القديم".
ثم هناك نجله، دونالد ترامب جونيور، وبعض أعضاء "ماغا" الذين ضغطوا طويلاً على ترامب كي لا يستدعي هايلي إلى بطاقته، وهم لم يخفوا ذلك في إطلالاتهم الإعلامية. ربما تلعب النواة نفسها الآن دوراً مشابهاً مع حث ترامب على استبعاد هايلي عن أي دور في حملته. تعلم هذه الدائرة، كما ترامب نفسه، أن أي طلب من هايلي لتتولى منصباً بارزاً في حملته قد يرتب عليه ديناً يتوجب تسديده عبر منحها حقيبة وزارية في إدارته المقبلة. لا شك في أن منصباً كهذا سيجعل هايلي تحت الأضواء حتى سنة 2028. وهذا ما قد يعرض مستقبل فانس، وربما جناح "ماغا" نفسه، للخطر.
مشكلة "جاهزيتها"
إذا كانت هذه الحسابات البعيدة المدى طاغية على تفكير ترامب الحالي فقد يدفع ثمن ذلك بعد أسابيع. بالرغم من الأنباء الإيجابية التي حملها استطلاع جامعة كوينيبياك، يبقى موقف ترامب صعباً، فقسم وازن من ناخبي هايلي يريد التصويت للمرشحة الديموقراطية كامالا هاريس. نشرت شركة "بلوبرينت بولينغ" استطلاع رأي الأربعاء أظهر أن 36 في المئة من داعمي هايلي سيصوتون لهاريس بينما قال 45 في المئة منهم إنهم سيدعمون ترامب. ولم يحسم 23 في المئة من ناخبيها رأيهم فيما قال 6 في المئة إنهم سيصوتون لمرشح آخر.
بحسب ماثيو رايس من صحيفة "ذا نيويورك صن"، إذا صوت فعلاً 36 في المئة من ناخبي هايلي لهاريس، فقد تفوز الأخيرة في أريزونا بفارق 40 ألف صوت بعدما فاز بها بايدن في 2020 بـ10 آلاف صوت، وفي ويسكونسن بفارق 27 ألف صوت بعدما كسبها بايدن بنحو 20 ألفاً. وفي جورجيا التي كسبها بايدن بـ12 ألف صوت، ستفوز هاريس بـ28 ألف صوت إضافي.
وتشير أرقام "بلوبرينت بولينغ" أيضاً إلى أن 66 في المئة من ناخبي هايلي دعموا ترامب في 2016. انخفضت هذه النسبة بعد أربعة أعوام إلى 59 في المئة، قبل أن تصل الآن إلى 45 نقطة وفق الاستطلاع الأخير. سيكون على حملة ترامب بذل جهد كبيرة لإقناع القسم المتردد من ناخبي هايلي (23 في المئة) بالتصويت له.
في أيلول (سبتمبر)، قالت هايلي رداً على سؤال بشأن استعدادها لخوض حملة دعم لترامب: "هو يعلم أنني جاهزة". المشكلة، على الأقل كما يتبين لغاية الآن، أن ترامب غير جاهز.