"هناك هذا الخوف من أن دونالد ترامب مهيأ للانتصار. أعتقد أنه من العدل أن يكون الديموقراطيون مكتئبين. أعتقد أنه من العدل أن يكونوا محبطين... هذه الأمور كلها مشروعة". ما قالته المقدمة المشاركة لبرنامج "صباح جو" على شبكة "إم إس إن بي سي" ميكا بريجينسكي في 13 تشرين الأول (أكتوبر) يؤكد انتشار أجواء سلبية في أوساط المرشحة كامالا هاريس ومؤيديها.
حين رضخ الرئيس الأميركي جو بايدن لمطالب كبار الديموقراطيين بوقف مسعاه إلى ولاية رئاسية ثانية، وصف جمهوريون كثر ما حصل بأنه "انقلاب". بالرغم من أن إعلاميين ليبراليين لم يتوانوا أيضاً عن استخدامه، يبقى أن هذا المصطلح ساد بشكل أساسي بين الجمهوريين.
لقد كانوا واثقين بداية من أن ضعف بايدن الذهني سيعزز حظوظ مرشحهم دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، فبدت استعادة البيت الأبيض شبه مضمونة بالنسبة إليهم. تغير كل ذلك في لحظة، مع قبول بايدن الانسحاب من السباق الرئاسي في 21 تموز (يوليو). من هنا، أمكن قول إن مصطلح "انقلاب" كان تعبيراً عن خيبة أمل من تغير وجهة السباق، إلى جانب كونه محاولة لفهم آليات الصراع الداخلي في الحزب المنافس. لكن خيبة الأمل بدأت تنتقل ببطء إلى المعسكر الآخر.
من لحظة تقديم نائبة الرئيس كامالا هاريس كمرشحة رئاسية جديدة عن الحزب الديموقراطي، مروراً بمؤتمر الحزب الوطني في شيكاغو، وصولاً إلى أدائها الجيد في مناظرتها مع ترامب، كانت الرياح تهب في أشرعة حملتها. لكن بدءاً من النصف الثاني من أيلول (سبتمبر)، انعكس اتجاه الرياح.
تذكروا انتخابات 1980
في نص على موقع "إكس" نشره في 12 تشرين الأول وحصد أكثر من 660 ألف قراءة، كتب المؤرخ والباحث البارز في "معهد هوفر" فيكتور ديفيد هانسون أن السباق الحالي متقارب، لكن هكذا كان أيضاً سباق سنة 1980 بين الرئيس الديموقراطي جيمي كارتر ومرشح الجمهوريين رونالد ريغان. بعد استطلاعين لمركز "غالوب" في تشرين الأول من تلك السنة، كان كارتر في موقف متقدم، قبل أن "يتبخر" يوم الانتخابات بحسب هانسون. (حصد ريغان حينها 44 ولاية).
من بين مؤشرات "الذعر" التي رصدها هانسون في حملة هاريس، إرسال نائبها تيم والز لإجراء مقابلة مع "فوكس نيوز" يوم الأحد، وقبول هاريس بإجراء مقابلات إعلامية بعد تجنبها ذلك في الماضي. وبرز أيضاً تضيّق الفجوة في ولايات كانت شبه محسومة للديموقراطيين مثل أوهايو وويسكونسن وميشيغان، إلى جانب توجيه عدد من المستطلعين الديموقراطيين مثل ديفيد أكسلرود انتقادات لحملة نائبة الرئيس.
ما خفي أعظم؟
في ما يخص الولايات المتأرجحة، يُظهر معدل استطلاعات "ريل كلير بوليتيكس" أن المرشحين متعادلان بشكل عام: حين يتقدم أحدهما على الآخر في ولاية معينة، يكون هذا التقدم ضمن هامش الخطأ. لكن البعض يعتقد أن هذا التعادل مخادع. بحسب المحلل السياسي المحافظ دوغلاس شوين، لا تزال الاستطلاعات غير قادرة على رصد التأييد الحقيقي لترامب.
على سبيل المثال، كتب شوين في صحيفة "ذا هيل" عن استطلاع رأي أجرته "ذا وول ستريت جورنال" أظهر أن الناخبين في الولايات المتأرجحة يثقون بترامب أكثر من ثقتهم بهاريس في القضيتين الأهم: الاقتصاد (50 إلى 40 في المئة) والهجرة (52 إلى 36 في المئة). حتى أسواق الرهانات التي تعكس بحسب رأيه سرعة الأحداث أكثر مما تفعل الاستطلاعات، تشير في معدلها إلى تقدم لترامب على منافسته.
مشاكل أخرى
ذكر خبير الاستطلاعات في "سي أن أن" هاري إنتن أن أداء الحزب الديموقراطي بين الشباب السود هو الأسوأ منذ سنة 1960. والوضع سيئ أيضاً بالنسبة إلى تأييد الرجال السود عموماً للديموقراطيين. فاز أوباما بأصواتهم بهامش وصل إلى 85 في المئة وهيلاري كلينتون بهامش 71 في المئة، وبايدن بـ 69. الآن، لدى هاريس هامش تأييد يصل إلى 54 نقطة وحسب.
علاوة على ذلك، ثمة مشاكل تأتي من داخل البيت الواحد. يبدو أن حملة هاريس وفريق الرئيس بايدن لا ينسقان بما يكفي كي يمنعا التضارب وإيذاء حظوظ المرشحة الرئاسية. أشار موقع "أكسيوس" إلى أن بايدن عقد مؤتمراً صحافياً مفاجئاً يوم الجمعة الماضي مما سحب التغطية الإعلامية المتوقعة لتجمع انتخابي عقدته هاريس في ميشيغان. وانتقدت هاريس حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس لأنه لم يتلقَ اتصالاتها خلال الأعاصير، قبل أن يشيد بايدن بالحاكم نفسه واصفاً إياه بـ"المتعاون".
قد يكون حديث الجمهوريين عن حالة "ذعر" بين الديموقراطيين بسبب نتائج الاستطلاعات الأخيرة مبالغاً به. في نهاية المطاف، لا تزال الأرقام متعادلة وأبواب الخامس من تشرين الثاني مفتوحة على كل الاحتمالات. لكن بالتأكيد، لا تعيش حملة هاريس أفضل أيامها في الوضع الحالي. المقلق بالنسبة إلى الديموقراطيين أن الأرقام الحالية يمكن أن تشير إلى مسار لا إلى "لمحة" عن ظرف محدد. إذا كان ترامب هو المرشح الذي تعين عليه بذل جهد لتضييق الفجوة مع منافسته في الشهرين الماضيين، فقد يُلقى هذا الجهد بعد بضعة أيام على عاتق هاريس. وفي هكذا سيناريو، لن يصب التوقيت في مصلحتها.