انتهى الرد الإسرائيلي المنتظر على إيران منذ الثاني من تشرين الأول (أكتوبر)، وهو اليوم الذي أعقب هجوم طهران على إسرائيل بنحو 180 صاروخاً بالستياً.
ثمة الكثير لتكشفه الأيام المقبلة عن نوعية الضربة الإسرائيلية وحجمها كما عن آثارها. مع ذلك، يمكن رسم تقييم أولي: يستطيع الجميع ادعاء النصر في مكان ما.
إيران
في حرب الإعلام والصور، كسبت طهران نقاطاً عدة، فمقاطع الفيديو التي نقلت مشاهد لدفعتين من عشرات الصواريخ وهي تخترق أجواء تل أبيب وتتسبب بانفجارات في بعض الأماكن كانت واسعة الانتشار. بالمقابل، إن صور الضربات الإسرائيلية على الأهداف العسكرية الإيرانية نادرة.
في الوقت نفسه، كان الحديث يدور مؤخراً عن احتمال اغتيال شخصيات بارزة في الحكومة الإيرانية أو عن استهداف منشآت نووية أو نفطية. بالمقارنة مع كل هذه التكهنات، يمكن قول إن الأهداف العسكرية الإيرانية التي ضربتها إسرائيل (بالرغم من أهميتها) أقل من التوقعات والسقوف العالية التي رُسمت.
وذكر "أكسيوس" وموقع "والا" العبري أن إسرائيل أبلغت إيران عبر وسطاء بالضربة قبل حدوثها، ولو أنها حذرت إيران من الرد. على افتراض صحة هذه التقارير، تكون الحكومة الإسرائيلية قد أعربت عن رغبتها بتخفيف آثار الضربة، وخصوصاً على مستوى الخسائر البشرية، بما أن إنقاذ الأصول العسكرية أكثر صعوبة.
وربما لم يبلغ الإسرائيليون الإيرانيين بموعد الضربة، لكنهم نشروا هذا الخبر من أجل السماح لطهران بحفظ ماء الوجه. في كلتا الحالتين، تبدو إيران رابحة. قارن موقع "صابرين نيوز" المقرب من إيران بين دخول الإسرائيليين الملاجئ في الأول من الشهر الحالي، وصعود الإيرانيين إلى أسطح منازلهم لمراقبة الضربات. وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صور ساخرة تظهر إيرانيين يبحثون عن الصواريخ الإسرائيلية من دون أن يجدوها.
وقال الإعلام الرسمي الإيراني إن الدفاعات الجوية نجحت في التصدي لمعظم الضربات الإسرائيلية مع تسجيل أضرار "محدودة". لكن ما كسبته إيران على مستوى الصورة، ربما خسرته على مستوى الميدان.
إسرائيل
لا شك في أن الحكومة الإسرائيلية كانت تطمح إلى رد أقوى. لا يمكن نسيان بعض التصريحات التي أطلقها مسؤولون في المعارضة الإسرائيلية عقب هجوم الأول من تشرين الأول، والتي كانت أكثر تشدداً حتى من تصريحات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. مع ذلك، يجب عدم الخلط بين ضعف وندرة صور الضربات، وضعف ما يمكن لتل أبيب أن تكون قد حصلت عليه.
من جهة، قالت التقارير الإسرائيلية الأولى إن الهجوم الإسرائيلي تم على موجات ثلاث (ضد أهداف دفاعية أولاً ثم صناعية وهجومية لاحقاً) وشمل أكثر من 100 مقاتلة من طراز أف-15 وأف-16 وأف-35. نفت إيران ذلك. أيضاً على افتراض صحة تلك التقارير، من المرجح أن يكون الإسرائيليون قد استفادوا من إرسال هذه الأنواع المختلفة من الطائرات لتفحص مدى نجاح عمليات التنسيق بين هذه الأسراب على نطاق واسع ومسافات شاسعة، أي ما يقرب من 2000 كيلومتر، لاستهداف نحو 20 هدفاً. يتطلب هذا الجهد قدرات لإعادة التغذية بالوقود بحسب "جيروزاليم بوست".
إلى جانب التنسيق، اختبر الإسرائيليون أيضاً أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية ومدى قدرتها على التصدي للمقاتلات الإسرائيلية. نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مسؤول إسرائيلي قوله إنه تم رصد "فشل إيراني تام في اعتراض الطائرات الإسرائيلية".
بمعنى آخر، أمكن أن تكون الطلعات الإسرائيلية الأخيرة تدريباً إضافياً على عمليات مستقبلية محتملة لاستهداف الداخل الإيراني، بما فيه ربما بعض المنشآت النووية، خصوصاً بعد تدمير قسم واسع من الأنظمة الدفاعية الإيرانية. ومن المرجح ألا تستطيع روسيا تعويض تلك الأنظمة بسهولة لحاجتها إليها في أوكرانيا.
باختصار، وبينما خسرت إسرائيل لعبة الصورة، هي ربحت لعبة اكتساب خبرات عملانية إضافية لأسطولها الجوي، هذا إن لم تكن قد تسببت بأضرار كبيرة أيضاً للصناعة الصاروخية الإيرانية بحسب "أكسيوس"، بالإضافة إلى استفادتها من احتمال انتهاء حلقة التصعيد عند هذا الحد.
أميركا... "عادت"
لقد كان الرد الإسرائيلي المضبوط أول نبأ إيجابي يسمعه الرئيس جو بايدن منذ فترة. نائبته بعيدة من حسم السباق الرئاسي والأمور في الشرق الأوسط كانت ذاهبة باتجاه الهاوية... إلى أن تمكن البيت الأبيض من "إدارة التصعيد" بنجاح.
كثيراً ما انتُقدت الإدارة بسبب "التهرب" من مواجهة حقيقة مع أعدائها عبر لجوئها إلى سياسة "إدارة التصعيد". سادت هذه الانتقادات لفترة طويلة خلال الحرب الأوكرانية، كما في التعامل مع إيران ووكلائها. لكن هذه المرة، يبدو أن تلك السياسة أثبتت جدواها. وجّه بايدن إشارة مؤكدة إلى أن بلاده لا تزال حليفة لإسرائيل عبر إعلان عزم واشنطن الدفاع عنها ودمج منظومة "ثاد" بمنظوماتها المحلية.
بالمقابل، يبدو أن بايدن "قبض ثمن" هذا الدعم عبر إقناع نتنياهو بالامتناع عن ضرب منشآت نووية، كما عن ضرب منشآت نفطية كان سيسبب صداعاً للإدارة مع ارتفاع كبير لأسعار النفط وانعكاس ذلك على الوضع الاقتصادي الأميركي. وسيتم تذكير الأميركيين مجدداً، في ظل هذا السيناريو، بأن العالم كان أهدأ في ولاية ترامب.
قال بايدن بعد انتخابه رئيساً إن أميركا "عادت" إلى العالم. في 26 تشرين الأول على الأقل، هي عادت إلى الشرق الأوسط؛ وضبطت إيقاعه الصاخب.