النهار

دونالد ترامب العاصفة التي أعادت تشكيل السياسة الأميركية
المصدر: "النهار"
دونالد ترامب العاصفة التي أعادت تشكيل السياسة الأميركية
A+   A-

في قلب قصة نجاح الرئيس دونالد ترامب  فكرة غريبة: أخذ من والده مبلغًا صغيرًا من المال، على شكل قرض،  وحوله إلى مليارات الدولارات.

 

ففي تشرين الأول (أكتوبر) 2015، قال أمام حشد من الناس في نيو هامبشير: "كانت حياتي كلها عبارة عن رفض حقيقي، وقاومت الأمر. لم يكن الأمر سهلاً بالنسبة لي. بدأت في بروكلين، حيث أعطاني والدي قرضًا صغيرًا بقيمة مليون دولار".

 

في المبدأ، ليس مبلغ مليون دولار بالمبلغ البسيط، وبالتالي  لم تكن فكرة تصوير ترامب لنفسه باعتباره قصة صعود من الفقر إلى الثراء  مقنعة،  ومع ذلك، أقنعت تلك القصة الكثيرين بأن هذا الرجل يشبههم، أو على نحو أكثر دقة، أنه من يطمحون إلى أن يكونوا مثله. فقد كان  ولا يزال، بالنسبة لكثيرين التجسيد الحي للحلم الأميركي.

 

...قبل وصوله الى البيت الابيض، كان ترامب الملياردير الأكثر بريقًا في الولايات المتحدة.


كانت حياة قطب العقارات في نيويورك في كل الصحف الشعبية والتلفزيون في العقود التي سبقت ترشحه عامي 2015 و2016 للبيت الأبيض.

ساعده اسمه المألوف وأسلوب حملته في هزيمة السياسيين المخضرمين، لكن فترة ولايته السجالية انتهت بخسارته الانتخابات بعد ولاية واحدة.

ترامب في الثامن والسبعين تحدى مرة أخرى الصعاب حيث قام عودة سياسية مذهلة انتهت بعودته إلى  المكتب البيضوي.

 

أسرة ثرية

ترامب هو الابن الرابع لقطب العقارات في نيويورك فريد ترامب.

 

 ورغم ثراء الأسرة، كان متوقعاً أن يعمل في أدنى الوظائف داخل شركة والده وتم إرساله إلى أكاديمية عسكرية في سن 13 عامًا عندما بدأ يتصرف بشكل سيئ في المدرسة.

وبعد حصوله على شهادة من كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، أصبح المرشح المفضل لخلافة والده عندما اختار شقيقه الأكبر فريد أن يصبح طيارًا.

توفي فريد ترامب عن عمر يناهز 43 عاماً بسبب إدمان الكحول، وهو ما يقول شقيقه إنه دفعه إلى تجنب الكحول والسجائر طوال حياته.

 

في عهد ترامب، تحولت أعمال العائلة من الوحدات السكنية في بروكلين وكوينز إلى مشاريع ضخمة في مانهاتن.

وأصبحت الجادة الخامسة الشهيرة موطنًا لبرج ترامب، أشهر ممتلكات قطب الأعمال وموطنه لسنوات عديدة. تم ترميم فندق كومودور المتهالك ليصبح فندق غراند حياة.

كما تم تشييد عقارات أخرى تحمل اسم ترامب التجاري، بما فيها كازينوات وشقق سكنية وملاعب غولف وفنادق، من أتلانتيك سيتي وشيكاغو ولاس فيغاس إلى الهند وتركيا والفيليبين.

 

 

عالم الترفيه

واستمر صعوده إلى النجومية في عالم الترفيه، أولاً كمالك لمسابقات ملكة جمال الكون وملكة جمال الولايات المتحدة وملكة جمال مراهقات الولايات المتحدة، ثم كمنشئ ومضيف لبرنامج الواقع على قناة "إن بي سي " "المتدرب The Apprentice.

 

على مدار 14 موسماً، تنافس المتسابقون في برنامج "المتدرب" على عقد ادارة في إمبراطوريته التجارية، وجعلت عبارته الشهيرة "أنت مطرود!" اسم "دونالد" اسمًا مألوفًا.

وألف ترامب العديد من الكتب، وظهر في الأفلام وبرامج المصارعة المحترفة، وباع كل شيء من المشروبات إلى ربطات العنق. لكن صافي ثروته انخفض في السنوات الأخيرة، حيث قدرت مجلة "فوربس" أنها حاليًا حوالي 4 مليارات دولار.

كما أعلن ترامب إفلاسه التجاري في ست مناسبات منفصلة، ​​وانهارت العديد من مشاريعه - بما في ذلك Trump Steaks Trump University.

الى ذلك، حجب معلوماته الضريبية من التدقيق، وكشفت تقارير عام 2020 من صحيفة "نيويورك تايمز" عن سنوات من التهرب الضريبي والخسائر المالية المزمنة.

 

وحظيت الحياة الشخصية لترامب بتغطية إعلامية واسعة النطاق.

وكانت زوجته الأولى، وربما الأكثر شهرة، إيفانا زيلنيكوفا، وهي رياضية وعارضة أزياء تشيكية. أنجب الزوجان ثلاثة أطفال، دونالد جونيور وإيفانكا وإريك،  قبل طلاقهما في عام 1990

.

تصدرت معركتهما القضائية المريرة الصفحات الأولى لأعمدة الشائعات، وظهرت مزاعم السيدة ترامب الراحلة بالعنف الأسري، والتي قللت من أهميتها لاحقًا، في فيلم جديد عن ترامب.

 

تزوج الممثلة مارلا مابلز في عام 1993، بعد شهرين من ولادة طفلتهما الوحيدة تيفاني. وانفصلا  عام 1999.

 

 

والزوجة الحالية لترامب هي عارضة الأزياء السلوفينية السابقة ميلانيا كنوس. تزوجا في عام 2005 وأنجبا ابنًا،  بارون ويليام ترامب، الذي بلغ مؤخرًا 18 عامًا.

سوء سلوك جنسي

 

لاحقت مزاعم سوء السلوك الجنسي والعلاقات خارج نطاق الزواج ترامب السياسي

في وقت سابق من هذا العام، حكمت هيئتا محلفين منفصلتان بأن ترامب شوه سمعة الكاتبة إي جين كارول من خلال إنكار اتهامها بالاعتداء الجنسي. وأمر بدفع 88 مليون دولار لها إجمالاً، لكنه استأنف.

 

دين ترامب أيضاً بـ 34 تهمة جنائية لتزوير سجلات تجارية للتغطية على اتفاق لإسكات الممثلة الإباحية ستورمي دانيلز بشأن لقاء خارج نطاق الزواج المزعوم في عام 2006

 

في مقابلة أجريت عام 1980، وصف ترامب البالغ من العمر 34 عامًا السياسة بأنها "حياة حقيرة للغاية" ، وإن "الأشخاص الأكثر كفاءة" يختارون عالم الأعمال بدلاً من ذلك.

 

لكن بحلول عام 1987، بدأ يلمح إلى ترشحه للرئاسة. استكشف لفترة وجيزة دخول سباق عام 2000 مع حزب الإصلاح، ثم مرة أخرى في عام 2012 كجمهوري.

 

 

وكان ترامب من بين أكثر المؤيدين صراحةً لنظرية "الولادة"، وهي نظرية المؤامرة التي تشكك في ما إذا كان باراك أوباما قد ولد في الولايات المتحدة.

 

ولم يعترف بأنها كانت كذبة حتى عام 2016 ولم يعتذر أبدًا.

 

ولم يعلن ترامب رسميًا عن ترشحه للبيت الأبيض إلا في حزيران (يونيو) 2015، معلنًا أن الحلم الأميركي قد مات ولكنه وعد "بإعادته أكبر وأفضل".

 

وفي خطابه، تفاخر بثروته ونجاحه التجاري، واتهم المكسيك بإرسال المخدرات والجريمة والمغتصبين إلى الولايات المتحدة، ووعد بجعل البلاد تدفع ثمن الجدار الحدودي.

 

وتحت شعار حملة "اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، تمكن بسهولة من تجاوز منافسيه في الحزب الجمهوري لمواجهة الديمقراطية هيلاري كلينتون.

 

وشابت الحملة المبتدئة الجدل، بما في ذلك شريط صوتي مسرب له يتفاخر بالتعدي الجنسي، وكان متخلفًا في استطلاعات الرأي طوال الانتخابات العامة.

 

لكن ترامب كانت  له الضحكة الأخيرة بفوزه المذهل على سياسي مخضرم. وقد أدى اليمين الدستورية كرئيس خامس وأربعين للبلاد في 20 كانون الثاني (يناير) 2017.

 

 

منذ الساعات الأولى، جلب دراما لا مثيل لها إلى المنصب، وغالبًا ما كان يصدر إعلانات رسمية على تويتر (أكس) ويتواجه علنًا مع زعماء أجانب.

 

انسحب من اتفاقيات المناخ والتجارة الرئيسية، وحظر السفر من سبع دول ذات أغلبية مسلمة، وأصدر قيودًا صارمة أخرى على الهجرة، وشن حربًا تجارية مع الصين، ونفذ تخفيضات ضريبية قياسية، وأعاد تشكيل العلاقات في الشرق الأوسط.

 

لمدة عامين تقريبًا، حقق مستشار خاص في تواطؤ مزعوم بين حملة ترامب لعام 2016 وروسيا. واجه أربعة وثلاثون شخصًا اتهامات جنائية - في مسائل مثل اختراق الكمبيوتر والجرائم المالية - ولكن ليس ترامب. ولم يثبت التحقيق تواطؤًا جنائيًا.

 

بعد فترة وجيزة، أصبح ترامب ثالث رئيس أميركي في التاريخ يواجه العزل، بسبب اتهامات بأنه ضغط على حكومة أجنبية لإلصاق تهم بمنافسه الديمقراطي جو بايدن. وصوت مجلس النواب الذي كان يتزعمه الديموقراطيون على عزله ولكن تمت تبرئته في مجلس الشيوخ الذي يقوده الجمهوريون.

 

وهيمنت جائحة فيروس كورونا على عام انتخابه 2020

وواجه انتقادات شديدة بسبب تعامله مع الأزمة في الوقت الذي تصدرت فيه الولايات المتحدة العالم من حيث عدد الوفيات والإصابات، وبسبب تعليقاته المثيرة للجدل، مثل اقتراحه إجراء أبحاث حول ما إذا كان من الممكن علاج الفيروس عن طريق حقن الجسم بمطهر.

 

ورغم حصوله في النهاية على 74 مليون صوت ( أكثر من أي رئيس أميركي آخر) فقد خسر السباق أمام بايدن بأكثر من سبعة ملايين صوت.

 

من تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 إلى يناير (كانون الثاني) 2021، عزز مزاعم الأصوات المسروقة والاحتيال الانتخابي على نطاق واسع، وهي مزاعم تم إسقاطها في أكثر من 60 قضية في المحكمة.

 

ورفضًا للنتائج، حشد ترامب أنصاره في واشنطن في 6 كانون الثاني، وحضهم على التجمع في الكابيتول حيث كان من المقرر أن يتم التصديق رسميًا على فوز  بايدن من الكونغرس.

 

وتحول هذا التجمع إلى أعمال شغب وضعت المشرعين ونائبه في خطر وأدت إلى محاكمة تاريخية ثانية. تمت تبرئة ترامب مرة أخرى من مجلس الشيوخ، وإن كان ذلك بأغلبية ضئيلة.

 

وأصبحت أفعاله في ذلك اليوم محور قضيتين جنائيتين.

 

لقد بدت مسيرة ترامب السياسية وكأنها انتهت بعد اقتحام مبنى الكابيتول. وتعهد المانحون والمؤيدون بعدم دعمه مرة أخرى، وحتى أقرب حلفائه تبرأوا منه علنًا.

 

تغيب عن مراسم تنصيب خلفه ونقل عائلته إلى فلوريدا، ولكن مع وجود جيش مخلص من المناصرين له، احتفظ بنفوذ هائل على الحزب الجمهوري.

 

ولعل الإرث الأكثر ديمومة لرئاسته جاءت بعد خروجه من البيت الأبيض، عندما كرس القضاة اليمينيون الثلاثة الذين رشحهم للمحكمة العليا الأغلبية المحافظة التي ساعدت في إنهاء ما يقرب من 50 عامًا من حقوق الإجهاض الوطنية.

 

على الرغم من إلقاء اللوم عليه بسبب النتائج الضعيفة للجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي لعام 2022، أعلن ترامب عن ترشحه مرة أخرى للرئاسة وسرعان ما أصبح المرشح الأوفر حظًا لحزبه.

 

وتحداه أكثر من اثني عشر جمهورياً، بما في ذلك نائبه السابق، لكنهم فشلوا حيث تجنب ترامب مرحلة المناظرة ووجه نيرانه نحو بايدن.

 

بدأ ترامب الانتخابات العامة وهو يواجه 91 تهمة جنائية في أربع قضايا جنائية، لكن استراتيجيته في تأخير القضايا القانونية نجحت إلى حد كبير. لن يتم الآن النظر في ثلاث قضايا قبل الانتخابات، وتم تأجيل الحكم عليه في نيويورك، على أضعف مجموعة من التهم - حتى أواخر تشرين الثاني (نوفمبر).

 

 

في 13 تموز (يوليو)، حاول مسلح يبلغ من العمر 20 عامًا اغتيال ترامب خلال تجمع انتخابي في بتلر ببنسلفانيا. وأطلق توماس ماثيو كروكس ثماني طلقات من بندقية من طراز AR من أعلى سطح قريب، مما أدى إلى إصابة ترامب في أذنه اليمنى قبل أن يقتل المسلح برصاص قناصة مضادين.

 

بعد ذلك بأيام، في المؤتمر الوطني الجمهوري، توج رسميًا مرشحًا رئاسيًا جمهوريًا للمرة الثالثة على التوالي، مما أدى إلى جولة إعادة   واضحة مع  بايدن.

 

وتميزت فترة ولاية بايدن، وهو رئيس غير محبوب تاريخيًا، بمكاسب اقتصادية وبنية تحتية بعد الوباء، ولكن أيضًا بتضخم مرتفع، وزيادات في الهجرة غير الشرعية وفوضى السياسة الخارجية.

 

ومنذ تنحى بايدن عن منصبه وساند نائبته كامالا هاريس، سعى ترامب إلى ربطها بإخفاقات الإدارة ــ بنجاح متوسط.

وأخبر أنصاره أن الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) 2024، موعد الانتخابات الأميركية،سيكون "التاريخ الأكثر أهمية في تاريخ بلادنا"، ولعله حقق ذلك!.

 

 

اقرأ في النهار Premium