النهار

كيف صوّت الأميركيّون ضدّ هاريس؟
نائبة الرئيس كامالا هاريس (أ ب)
A+   A-

حين فاز دونالد ترامب للمرة الأولى بالرئاسة سنة 2016، قيل إن التصويت للمرشح الجمهوري كان في جزء منه أقرب إلى تصويت ضد مرشحة "المؤسسة" هيلاري كلينتون. لكن حين فاز للمرة الثانية بالرئاسة الأميركية، لم يُسقط محللون احتمال أن يكون انتخابه قد جسّد أيضاً حركة اعتراضية ضد منافسته كامالا هاريس. هذه المرة، كانت هاريس هي "المؤسسة".

 

يعتقد البعض أن هاريس لم تقدم أي جديد للناخبين باستثناء أنها "ليست ترامب". لم تكن رسالتها مقنعة بحسب كاميلا توميني من صحيفة "ذا تلغراف". من جهة أخرى، ربما أظهرت هاريس بعض التعالي، ولو بشكل غير مقصود، حين سئلت في مقابلة إعلامية مع "إيه بي سي" الأميركية الشهر الماضي عما كانت لتفعله بشكل مغاير في الأعوام الأربعة الماضية، لو أتيح لها خيار كهذا. أجابت هاريس بأن لا شيء جال في ذهنها خلال تلك اللحظة.

 

في ذلك الجواب، أخطأت نائبة الرئيس حين لم تقترح سياسات جديدة لمعالجة الوضع الاقتصادي المتردي بالنسبة إلى معظم الأميركيين. كشف ذلك بشكل عرضي سبب تفاديها الإعلام إلى حد كبير. في كلتا الحالتين، لم تستطع هاريس فصل نفسها عن العبء الذي فرضه رئيس مفتقر إلى الشعبية بشكل كبير.

 

لحظة الخسارة

لقد ثبت أنه سيسهل استهداف الرئيس المتعثر شعبياً كما استهداف نائبته على طول الطريق. وربما يتبين أنه حتى وإن لم يتأخر بايدن في التنحي عن المعركة الانتخابية، لما تغير الأمر كثيراً بالنسبة إلى مصير السباق الرئاسي. فالفارق الكبير نسبياً بين أصوات المرشحين، شعبياً أو مَجمعياً، كان على الأرجح أكبر من أن يتم تجسيره حتى ولو مُنحت هاريس فترة أطول للاستعداد. في نهاية المطاف، إن ترامب معروف على المستوى الوطني منذ نحو ثمانية أعوام، أما هاريس فكانت معروفة طوال نصف هذه الفترة تقريباً. ليس الأمر أنها ساعدت نفسها كثيراً في استراتيجيتها الانتخابية.

 

على منصة "إكس"، قال خبير الاستطلاعات فرانك لونتز إن هاريس خسرت السباق منذ أن قررت التركيز على ترامب بدلاً من التركيز على تقديم نفسها إلى الناخبين. وانعكس أيضاً بقاء هاريس في ظل بايدن على الكلمات التي توجهت بها إلى الناخبين، بخاصة حين تحدثت عن كونها "مرشحة تغيير"، ليتبين أن كلامها غامض في هذا السياق.

 

"اليقظوية الغبية"

ثم هناك "الحرب الثقافية" التي تشغل بال ديموقراطيي أقصى اليسار بما يفوق أولويات الناخبين المعيشية. حتى على المستوى الفكري، ثمة طيف واسع من الأميركيين يقف ضد "اليقظوية"، إذ ينضم إلى هذه الفئة نسبة كبيرة من المحافظين المستقلين وحتى الديموقراطيين. قد لا تكون هاريس مسؤولة تماماً عن هذه السرديات التي ينشرها أقصى اليسار. لكنها لم تستطع دفع الملامة عنها بشكل مرجح.

 

كما كتبت ليه سيلز في شبكة "إي بي سي" الأسترالية، حين اختار الديموقراطيون ليبرالية من كاليفورنيا، اشتبه بعض الناخبين المتأرجحين، كما بعض الجمهوريين الذين لم يحبوا ترامب، بأنها ستكون "حصان طروادة" لتنفيذ الأجندة "اليقظوية" التي يكرهونها ويخشونها. وحذر المخطط الديموقراطي الاستراتيجي جيمس كارفيل منذ أعوام من "اليقظوية الغبية".

 

مشاكل أخرى

لم يُسعف هاريس كثيراً خوضها الحملة الانتخابية بناء على أجواء "البهجة". فهذه الأجواء مراوغة وعادة ما تتبدد بعد نهاية الاحتفالات السياسية، لتعود وتحل محلها الهواجس الاقتصادية. بالمقابل، وبينما نجح ترامب في تنويع القاعدة الشعبية الجمهورية وجعلها تضم أوسع طبقة عاملة في "أي مرحلة من التاريخ الحديث" بحسب المؤرخ أوليفر بيتامن، وجد الحزب الديموقراطي نفسه معتمداً بشكل متزايد على ناخبين متعلمين ومؤثرين. وهؤلاء هم الوجوه نفسها التي حدد الحزب الديموقراطي نفسه بالضد منها.

 

وليس واضحاً لغاية اللحظة ما إذا كان الأميركيون من أصل عربي في ميشيغان قد صوتوا لترامب كي يعاقبوا بايدن/هاريس على سياساتهما تجاه غزة. لكن تصويت جزء منهم بهذا الشكل أمر متوقع. يأتي ذلك على الرغم من أن ترامب قد يمنح رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حرية العمل في المنطقة، بما فيها شن حرب بالوكالة ضد إيران، كما كتب شون أوغريدي في صحيفة "إندبندنت" البريطانية.

 

رحلتان يائستان

ذكر تقرير "سي أن أن" وجود تناقض واضح بين ما كانت هاريس تقوله في ميشيغن - معقل الأميركيين العرب - عن ضرورة وقف الحرب على غزة، وبين ما كانت تقوله في ولاية بنسلفانيا عن أنها ستدافع عن إسرائيل وستمكن إسرائيل من الدفاع عن نفسها. كان ذلك محاولة لاستمالة الناخبين اليهود في الولاية المحورية. لم يمنعها الخطابان من خسارة كلتا الولايتين في وقت واحد.

 

ليست كل أسباب الخسارة مرتبطة بسلوك هاريس وظروفها. لكن الاتهامات بأن جزءاً من الناخبين صوّت ضدها ولم يصوّت بالضرورة حباً بترامب ليست مجردة من أي أدلة. لقد خسرت هاريس رحلتين متتاليتين إلى سدة البيت الأبيض، في 2020 و2024. لا يظهر أنها تعلمت الكثير من التجربة الأولى... أو أن الفرصة ستتاح أمامها للتعلم من الثانية.


اقرأ في النهار Premium