بحسب المصطلح الأميركي السائد، بات الرئيس جو بايدن "بطة عرجاء" في الأسابيع الأخيرة من ولايته، خصوصاً بعدما خسرت نائبته كامالا هاريس السباق الرئاسي أمام منافسها الجمهوري دونالد ترامب.
يطال مصطلح "البطة العرجاء" هامش تحرّك الرئيس المنتهية ولايته في السياسة الداخلية أساساً. لكن في القرارات الخارجية، يبقى الرئيس أقوى بحسب مراقبين. وكما تقول بطريقة معبّرة مؤرخة الشؤون الرئاسية الأميركية دوريس غودوين: "صحيحٌ أنها بطة عرجاء، لكنها لا تزال تملك أجنحة".
إيران و"المفاجآت"
يرى الكاتب البارز في موقع "ياهو فايننس" ريك نيومان أن الفترة المقبلة قد تحمل "مفاجآت مثيرة للاهتمام". في الملف الإيراني تحديداً، قد يبرهن بايدن لنقّاده أنه قوي ضد إيران فيفرض عليها عقوبات لحرمانها من تصدير جزء من نفطها (بين 150 ألفاً و700 ألف برميل يومياً). وبما أن الانتخابات باتت وراءه، فقد لا يقلق كثيراً من تداعيات ذلك على أسعار النفط التي على أي حال قد ترتفع 10 في المئة حداً أقصى.
ما يجعل هذا الاحتمال وارداً هو أن تخفيف واشنطن تنفيذ بعض العقوبات النفطية على إيران طوال الأعوام القليلة الماضية، قوبل برفض إيراني للعودة إلى الاتفاق النووي، فقد اشترطت طهران الحصول على تنازلات أميركية أخرى غير متصلة بالاتفاق مباشرة للقبول بإعادة إحيائه. قد يجد الرئيس الأميركي الآن فرصة مناسبة لـ"الانتقام" من إيران.
وكشفت وزارة العدل الأميركية اتهامات جنائية مرتبطة بمخطط إيراني لقتل ترامب. وزعمت شكوى جنائية رُفعت أمام المحكمة الفيدرالية في مانهاتن أن مسؤولاً في الحرس الثوري أصدر تعليمات إلى إحدى جهات الاتصال في أيلول (سبتمبر) لوضع خطة من أجل مراقبة ترامب، وقتله في النهاية. نفت إيران هذا الاتهام ووضعته في إطار مخطط إسرائيلي لتعقيد العلاقات الأميركية - الإيرانية بشكل أكبر. قد يترك هذا العامل أيضاً أثره على حسابات بايدن تجاه طهران.
ويمكن أن يناسب التصعيد المحتمل مؤشرات حزم أطلقها بايدن مؤخراً تجاه إيران، أكان من خلال إرسال مقاتلات وأنظمة دفاعية متطورة للدفاع عن إسرائيل، أو من خلال قصف أهداف حوثية بواسطة قاذفات "بي-52" الاستراتيجية.
ما لا يمكن التفكير فيه؟
قبل رد تل أبيب الأخير على طهران في 26 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، والذي طال عشرين هدفاً عسكرياً إيرانياً، ضغطت واشنطن لتفادي ضربة عسكرية تشمل المنشآت النووية الإيرانية. لكن مع عدم تراجع التوتر بين إسرائيل وإيران، وبالتحديد مع عدم رضا بعض المسؤولين الإسرائيليين على حجم الضربة، قد تُقدم تل أبيب على استهداف المنشآت النووية. وهذه المرة يمكن ألا تكون القيود الأميركية على الإسرائيليين أضعف، مجدداً، لأن الانتخابات انتهت. إذاً، قد لا تشن إدارة بايدن أي عمل عسكري نشط ضد إيران، لكن بإمكانها أن تترك المهمة لإسرائيل.
قال نائب رئيس "معهد كوينسي لفن الحكم المسؤول" تريتا بارسي إن هناك "نحو شهرين متبقيين قبل أن يأتي ترامب إلى المنصب، ومن مصلحة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تأسيس وضعٍ تكون فيه خيارات ترامب محدودة". وأضاف: "الإيرانيون أنفسهم قد يقررون أنهم بحاجة إلى الرد الآن على إسرائيل، لأن المحافظين الجدد، بعد الهجوم الإسرائيلي، يجادلون بأنه من السهل فعلاً مهاجمة إيران، وبالتالي يجب على ترامب ترك إسرائيل تنهي المهمة".
إذا كان هذا التحليل صحيحاً، فقد يكون بايدن هو من يترك إسرائيل "تبدأ" المهمة عبر منحها الضوء الأخضر، وربما أيضاً المساعدات اللوجستية لذلك. يمكّن هذا الاحتمال بايدن من الادعاء بأنه في عهده تم ضرب البرنامج النووي الإيراني وإرجاعه سنوات أو عقوداً إلى الوراء. سينقض بذلك كل "صخب" الجمهوريين عن "قوّتهم" تجاه طهران. بعبارة أخرى، لو حدثت عملية كهذه في الأسابيع القليلة المقبلة فسيقطف بايدن الثمار لا ترامب.
ما الذي يمكن توقعه؟
أصبح بايدن متحرراً من الحسابات الانتخابية، والتردد في هذه المرحلة قد لا يخدمه إذا كان يفكر في بناء إرثه، وهي مهمة ربما تقتضي التخلي عن بعض الحذر، فـ"الحياة تحبّ الذين يقتحمونها"، كما كتب مكيافيلي.
لكن تبقى سيناريوهات التصعيد النسبي أو المطلق مجرد احتمالات. عُرف عن بايدن ومستشاريه اعتماد سياسات متوازنة حيث تجنبوا التطرف في خياراتهم، أكان مع إيران أو مع روسيا أو حتى مع الصين. لذلك، قد يكون كل ما يهم بايدن في الوقت الحالي تمرير ما تبقى من الولاية بأقل الأضرار الممكنة. ومن غير المستبعد أن يكون المسؤولون في البيت الأبيض منهمكين في قراءة النتائج السلبية لحزبهم في الانتخابات الأخيرة، بدلاً من التخطيط لضربات صعبة تحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد والمخاطرة.
كذلك، درجت العادة ألا يورط الرؤساء الأميركيون المنتهية ولايتهم خلفاءهم بحروب جديدة قبل استلام مناصبهم. قد يكون امتناع جورج بوش الابن عن الرد على الغزو الروسي لجورجيا في صيف 2008 أحد الأمثلة الحديثة عن ذلك. ويصعب معرفة ما إذا كان أي مخطط أميركي لمساعدة إسرائيل على ضرب إيران سيبقى سرياً عن فريق ترامب كما معرفة تداعيات ذلك على سلاسة المرحلة الانتقالية ككل.
مهما كانت خطط بايدن للأسابيع الأخيرة من ولايته، فستظل قراراته الخارجية المقبلة جديرة بالمتابعة. وليس فقط في ما يتعلق بالشرق الأوسط.