النهار

إيلون ماسك "صانع الملوك"... هل ينقلب على ترامب؟
ايلون ماسك ودونالد ترامب
A+   A-
على مدى السنوات الـ 53 الأولى من حياته، لم يمضِ الملياردير الأميركي إيلون ماسك وقتاً طويلاً مع الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب. لكن، ابتداءً من ليلة الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر)، لم يقضِ أي وقت من دونه.

كان على رأس قائمة الجمهوريين اسمان: ترامب ونائبه جي دي فانس. لكن نوفمبر هذا خلق انطباعاً بأن شخصاً ثالثاً يتحكم بمصير الولايات المتحدة السياسي، فيما اختفى دي فانس تقريباً عن الأنظار.

أما ماسك فيجد، أكثر من أي لاعب رئيسي آخر في المرحلة الانتقالية الرئاسية، نفسه باختصار، في جلسة حشرية لتعلم كيفية اللعب السياسي في عالم ترامب. وبالنسبة إلى أغنى شخص في العالم، غير المعروف بتواضعه أو صبره، فإن هذا تحدٍ في الهندسة الاجتماعية أصعب كثيراً وأقل إلفة من عالم الأعمال.

تكثر الشكوك، خصوصاً في واشنطن ووادي السيليكون، حول ما إذا كان سيتخرج ماسك في عام 2028 بشهادة مدتها أربع سنوات في الترامبية، كما يتساءل البعض عن المدة التي ستستمر فيها العلاقة بين ماسك وترامب، هل سيبقى "صانع الملوك"، كما أسمته صحيفة "التايم"، على علاقة جيدة بالرئيس، أم سينقلب عليه؟

كيف أصبح صانع الملوك؟
عرف العالم ماسك في أدوار مختلفة: الرجل الذي اشترى منصة "تويتر" وطرد أكثر من نصف موظفيها، وهو المخترع الذي أعاد برنامج الفضاء إلى الحياة وصانع السيارات، وهو مؤسس شركات رائدة مثل "تسلا" و"سبيس إكس". وفجأة، انتقل إلى عالم السياسة، فتصدّر التجمعات الجماهيرية، ووجّه التعيينات الحكومية.

ولأكثر من ثلاث سنوات، أصبح واحداً من أغنى وأقوى الرجال في العالم. ترتفع الأسواق وتتراجع على تغريداته. ويطير رواد الفضاء في سفنه الفضائية. تتقدم الجيوش بإشارات من أقماره الصناعية. لكن، لم يظهر المدى الكامل لنفوذه إلا في ضوء هذه الانتخابات. فلم يحدث منذ عصر ويليام راندولف هيرست، قطب الصحف الذي سهّل صعود فرانكلين روزفلت قبل قرن تقريباً، أن ظهر مواطن عادي بهذا الحجم على العديد من جوانب الحياة الأميركية في آن واحد.

ما يعنيه ماسك لحملة ترامب يتجاوز كثيراً المبالغ المالية التي ضخها أو الدعم الذي قدمه. فبالنسبة إلى العديد من الشباب الذين توافدوا على ترامب بأعداد قياسية، كان ماسك صورة رمزية مثالية. فقد ضخ إحساساً بالبراعة والإمكانية. وإذا كان ترامب يثير حماسة المؤيدين بتعهده بتدمير المؤسسات الفاسدة، فإن ماسك يمثل الوعد ببناء أشياء جديدة وحل المشاكل الصعبة. 

وبغض النظر عن عدد المرات التي ذكّر فيها الديموقراطيون الجمهور الأميركي بأن ثروة ترامب نمت من ثروة موروثة وإفلاسات متعددة وعقود من خداع الشركات، لم يتمكنوا من إنكار إنجازات ماسك بصفته رجل أعمال. 

تقول "التايم" إن ما يريد الكثير من الناخبين أن يروه هو شخص من الخارج قادر، قاسٍ ومستقل، يعرف كيف يحول آلة عملاقة، أي الحكومة الأميركية، ويجعلها أكثر رشاقة وسرعة وإنتاجية. في هذا الصدد، حرّك ماسك شريحة من الناخبين نفرتهم شخصية ترامب، لكنهم تحمسوا لسياساته.

هل ينقلب عليه؟
في الوقت الحالي، يتصرف ترامب وماسك كشريكين مترابطين من خلال الخدمات التي يتبادلونها ورغبتهما المشتركة في تعديل مؤسسات الحكم. وقد يصدران الأوامر بصوت واحد فترة من الوقت. لكن أجندتيهما لا تتفقان في كل شيء. فكلاهما عنيد ومندفع ومعتاد على أن يكون الآمر الناهي. إنهما لا يتفقان في جميع السياسات، خصوصاص الاقتصادية والبيئية. فماذا يحدث متى بدأ الصدام بينهما؟

في هذا النوع من القتال، قد لا يكون ماسك هو صاحب اليد العليا، كون أدوات سلطة الدولة ستبقى مع الرئيس، وستصبح الأمور فوضوية إذا قرر استخدامها ضد الملياردير الذي ساعده على العودة إلى البيت الأبيض.

وحتى الآن، يبدو ترامب سعيداً بمجاراته. لكن، يقال إن موقعه في المرحلة الانتقالية لترامب أثار قلق بعض أعضاء حاشيته. فخلال معظم شهر نوفمبر، خيم ماسك في مارالاغو، حيث كان يدلي برأيه في اختيارات الحكومة ويقدم المشورة لترامب بشأن أولويات السياسة. وذهب للعب الغولف مع الرئيس المنتخب، وجلس معه في حلبة المصارعة والتقط صوراً مع عائلة ترامب، وأشاد أحد أحفاده على وسائل التواصل الاجتماعي بأن ماسك بلغ "مكانة العم"، حتى أنه استمع إلى مكالمات ترامب مع زعيمي تركيا وأوكرانيا، وقيل إن مبعوثاً من إيران التقاه للحديث عن نزع فتيل التوتر.

آتٍ ومعه 200 ملوين متابع
معظم الأشخاص الذين يحيطون الآن بترامب في المرحلة الانتقالية هم مساعدون مختبرون في المعارك التي خاضها في الماضي، أو أصدقاء شخصيون منذ عقود. وماسك ليس أياً منهما. ما في جعبته بدلاً من ذلك 200 مليون متابع على "اكس" ونحو 200 مليون دولار أنفقها للمساعدة في انتخابه. وأثار كلاهما إعجاب الرئيس المنتخب بشكل كبير. وقال ترامب، المندهش من استعداد ماسك للاستغناء عن 80% من موظفي "اكس" إن ملياردير التكنولوجيا سيساعد في قيادة وزارة الكفاءة الحكومية إلى جانب فيفيك راماسوامي.

ومن اللافت للنظر أن ماسك بدا قلقاً بشأن النظرة إلى نفوذه. ففي الأسبوع الماضي، رداً على عنوان رئيسي يصفه بأنه "أقرب المقربين من ترامب"، خرج عن المألوف ليثني على "العدد الكبير من الأشخاص المخلصين والجيدين في مارالاغو الذين عملوا معه سنوات عديدة".

وكتب على "إكس": "لأكون واضحاً، في حين أنني أبديت رأيي في بعض المرشحين للوزراء، فإن العديد من الاختيارات تحدث من دون علمي، والقرارات هي 100% من اختصاص الرئيس". وهذا يبدو اعترافاً بدرس معروف في عالم ترامب: لا تتفوق على الرئيس، على الأقل إذا كنت تريد البقاء فترة من الوقت، كون الرئيس المنتخب لا يحبّ تقاسم الأضواء مع أحد فترة طويلة.

يقول ميك مولفاني، الذي شغل سابقاً منصب رئيس الموظفين الثاني لترامب، لصحيفة "نيويورك تايمز": "ما يجعل ماسك مستشاراً قيّماً جداً هو أنه يملك ما يكفي من المال، وأعماله كثيرة، وربما لا يحتاج إلى هذه الوظيفة، أكثر من أي شخص آخر على هذا الكوكب".

الفراق الحتمي
لكن، لسجل ماسك عيوبه. فقد دفع إميل مايكل، وهو مسؤول تنفيذي كبير سابق في شركة "أوبر"، ليكون وزير النقل القادم، إلا أن مايكل خسر أمام شون دوفي، العضو السابق في الكونغرس عن ولاية ويسكونسن، واللمدعوم من سوزي وايلز التي ستصبح رئيسة موظفي ترامب في كانون الثاني (يناير)، وفقاً لشخص مطلع على خفايا البيت الأبيض.

وكان ماسك قد تعهد بخفض الإنفاق الحكومي بمقدار تريليوني دولار، لكن مولفاني، المدير السابق لمكتب الإدارة والميزانية، بدا مشككاً بشأن قدرة ماسك على الوفاء بوعده بتخفيضات الميزانية. كما رأت "التايم" أن هذا صعب المنال.

من جهته، قال إدوارد لوس في مقال بصحيفة "فاينانشيال تايمز" تحت عنوان "هل يقع الخلاف بين ماسك وترامب": "أرى حطام قطار قيد التنفيذ... وليس بالحركة البطيئة". 

تمثل العلاقة بين ماسك وترامب مثالاً معقداً على التعاون بين عالم الأعمال والسياسة، حيث يتشابك طموح الابتكار مع الأجندات السياسية التقليدية. ورغم أن التباين في مواقفهما في العديد من القضايا قد يؤدي إلى نشوء تحديات في المستقبل، فإن تأثير ماسك في السياسة الأميركية بات واضحاً، خصوصاً في ظل صعوده كمؤثر قوي في المرحلة الانتقالية لترامب. وبمرور الوقت، قد يتكشف المزيد من التفاصيل بشأن استمرارية هذه العلاقة وتطورها. لكن، في جميع الأحوال، يبقى ماسك شخصية محورية في تشكيل مشهد السياسة الأميركية الحديثة، وربما أكثر من أي وقت مضى.

الأكثر قراءة

كتاب النهار 12/3/2024 2:05:00 AM
إسرائيل تضع "حزب الله" أمام خيارين: القبول بهزيمة مطلقة مما يضطره إلى التنازل عن فاعلية جناحه العسكري أو العودة إلى الحرب وتكبد ليس المزيد من الخسائر في لبنان فحسب، بل ما تبقى له من نفوذ في سوريا أيضاً....
دوليات 12/3/2024 8:35:00 AM
الهندسة القمرية الحرجة التي شهدتها السماء في الفترة من 1 إلى 2 ديسمبر/كانون الأول قد تؤدي لزلزال قوي اليوم الثلاثاء

اقرأ في النهار Premium