النهار

أيمن زيدان لـ"النهار": "ليالي روكسي" بانوراما إنسانية من زمن "المتهم البريء"
أمين حمادة
المصدر: "النهار"
أيمن زيدان لـ"النهار": "ليالي روكسي" بانوراما إنسانية من زمن "المتهم البريء"
أيمن زيدان (تصميم حبيب فغالي)
A+   A-
من المؤلم والخسران سقوط قطع حضارية أو شيء منها، من التاريخ والأثر بفعل عدوان وحشي غريب، على غرار ما تتعرض له مواقع تاريخية في لبنان، وما تزال، تحت النيران الإسرائيلية الهمجية التي قصفت كنيسة دردغيا وجرحت قبّة دورس صاحبة الأعوام الثمانمئة والحجارة المنحوتة قبل ألفي عام، وصروح إنسانية أخرى. ومن المؤلم أيضاً، وربماً أكثر إيلاماً، اندثار أو اختفاء معلم ثقافي بفعل اهمال أو تقصير أو عدم تقدير أو تخريب، من منظومة تشكل هوية حضارية لشعب أو بلد ما.

لم يبق ليومنا الحالي إلا دقيقتان من "المتهم البريء"، الفيلم السوري الروائي الأول، الذي عُرض صامتاً في عام 1928 في سينما "كوزموغراف" بمنطقة البحصة في دمشق، قبل أن تستقبله دور السينما في بيروت وطرابلس. صنعته مجموعة من الهواة: أحمد تللو ومحمد المرادي وأيوب بدري، باستخدام كاميرا قياس 35 مم من طراز "كينامو"، جلبها بدري أساساً في عام 1926 لتصوير نشاطات كشفية. 

لم تتمكن المجموعة من تشغيل الآلة التي تتسع لتصوير دقيقة واحدة في كل مرّة، فأرشدهم التاجر الدمشقي ناظم الشمعة إلى المصور الهاوي رشيد جلال، ليشكل معهم شركة "حرمون"، فصوّرت المشاهد الداخلية في منزله العربي، والخارجية أمام كهوف جبل قاسيون.

هُدمت سينما "كوزموغراف" في 1959، ولا نسخة لـ "المتهم البريء" في عام 2024، لكن من المفرح أن هذه الوثيقة التاريخية السينمائية يُعاد إحيائها عبر الدراما التلفزيونية السورية من خلال مسلسل "ليالي روكسي"، من إنتاج شركة "أفاميا"، وإخراج محمد عبد العزيز، الذي أشرف على ورشة كتّاب ضمّت شادي كيوان ومعن سقباني وبشرى عباس، ومن بطولة الفنانين السوريين أيمن زيدان وسلاف فواخرجي ودريد لحام ومنى واصف، إلى جانب جيني إسبر وشادي الصفدي ووفاء موصللي وأمانة والي وحازم زيدان ولمى بدور وآخرين.

تلامس مجريات العمل الظروف الغنية درامياً، المحيطة بإنتاج "المتهم البريء" وتصويره، ولا سيما عرضه الذي تلّقى صدمة بمنعه من قبل الرقابة، بسبب وجود ممثلة مسلمة فيه. وحاول أيوب البدري إقناعها بالعكس، بتأكيده أن الشابة بالغة راشدة تجاوزت سن 25 عاماً، وحصلت على موافقة ذويها. أصرت اللجنة المؤلفة من رجال دين مسلمين ومسيحيين على الرفض الذي أيّدته سلطات الاحتلال بداعي سرقة موسيقى عالمية، فاستبدل صنّاع الفيلم ممثلته براقصة ألمانية من ملهى "الأولمبيا" تدعى لوفاتينا، مع اضطرارهم إلى إعادة تصوير مشاهدها في كلفة انتاجية فاقت الأرباح اللاحقة، ما أدى إلى إفلاس شركة "حرمون".

التقت "النهار" بطل العمل الممثل القدير أيمن زيدان، الذي خصّها بحديثٍ عن أهمية مسلسل "ليالي روكسي" من الناحية الدرامية، ومن جوانبه الأخرى، بدءاً بالمكان والزمان، وصولاً إلى الشخصية التي يجسّدها.

العمل يتناول "المتهم البريء"... لماذا عنوانه "ليالي روكسي"؟
روكسي شارع في دمشق، يحتوي في جنابته جميع أشكال الحياة، حيث تجري أحداث المسلسل في عام 1928. الحامل الرئيس في الحكاية مرتبط فعلاً بحيثيات وصعوبات إنجاز اول فيلم سينمائي سوري (المتهم البريء)، وبالتجاور معه، هناك الكثير من القصص الاجتماعية، المرتبطة بمصائر مجموعة من العائلات، لكل منها حكايتها، إضافة إلى قصص الحب، وأيضاً العمل الوطني ضد الإحتلال الفرنسي كجزء موجود في ثنايا المشروع.

ماذا عن المزج الفني داخل المسلسل بين التاريخ والرؤية الدرامية؟
ليالي روكسي بانوراما لحياة كاملة في تلك الفترة، أهم ما يميزها أنها لا تندرج تحت ما سمي بـ(البيئة الشامية) بقدر ما أن احداثه تجري في عشرينيات القرن الماضي. العمل مليء بالشخصيات والمحاور والحكايا المتنوعة، ويعتبر رصداً، ليس فقط للفيلم السوري الأول، لكن أيضاً رصداً للحياة الثقافية والفنية والسياسية والوطنية في تلك المرحلة، من دون أن يكون عملاً توثيقياً يتطابق مع الوثيقة التاريخية، بقدر ما هو قائم على استنباط بعض المؤشرات وإعادة انتاجها بتصور وكتابة وتنفيذ مع تدخل الخيال والمشهدية التي يتوخاها المخرج.

ماذا عن بعض تفاصيل دورك من الناحية الدرامية؟
أجسّد شخصية السيد عطا، ربّ عائلة وطني وصاحب مكتبة، لديه حالة تنويرية شديدة ووطنية كبيرة، مع ذلك يمر على المستوى الشخصي والعائلي في تقلبات وأحداث دراماتيكية، ويدخل في صراع مع النموذج الذي يمثلّ نقيضه (عميل فرنسي)، وبدافعه الوطني، يكون أشبه بأب روحي لقاطني حارته ومرجعية وجدانية لهم.

اقرأ في النهار Premium