يخوض الفنان محمد خير الجراح الموسم الجديد في مختلف الأنواع الدرامية، ما خلا المعروفة اصطلاحاً بـ"الدراما المعرّبة"، بسبب موقفه السلبي منها حتى الآن وملاحظاته عليها رغم رواجها في السنوات القليلة الماضية. يقول في حديث لـ"النهار": "موقفي منها ليس شخصياً، بل أتّخذه إلى جانب الجمهور الذي يستغرب هذا الشكل من المادة الفنية والأجواء. فيها عيوب كثيرة يجب على القائمين عليها الالتفات إليها بعين الناقد وبشفافية. المشكلة الأولى في المسلسلات المعرّبة، بيئتها ونصها وأدواتها والمخرج التركي، بسبب "أجنبيّتهم" عن الممثل العربي. ومن جهة أخرى، إذا نظرنا إلى كلّ هذه المسلسلات، لن نستطيع التمييز بينها بسبب الفضاء الدرامي شبه المتماثل، من مواقع تصوير ولباس وحتى "الكومبارس". وأعترف بأنّ تنفيذها يتمّ بطريقة ومواصفات جيدة، لكنّ ثمّة نقصاً ما في الروح، وهناك شيء غريب لا يستوي في أخذ الورق ونسخه ولصقه، في حين يجب على الأقل إعادة صياغته ليشبه البيئة الخاصة بنا، ثمّ ملائمته معها من جميع النواحي الفنية، أنا لست ضدّ الدراما المعرّبة، ولكن يجب أن يتمّ تقديمها بصيغة تحترم عقل المشاهد العربي".
وفي المقابل، يُعرب الممثل السوري عن سعادته بالمشاركة في بطولة مسلسل "سيروم" (سعيد حناوي ومحمود ادريس/ تامر إسحق) المنتمي إلى نوع الحركة والإثارة بنمط المؤامرات والمطاردات والعصابات، موضحاً أنه يؤدّي "شخصية مؤذية، مصنّفة في خانة الشرّ، وزئبقية تنجو من محاولات ضبطها"، ومنوّهاً بشيء من المزاح بأنّ "المسلسل ممتع، يبدو أن الجمهور يميل إلى الأشرار". وبعيداً من العنف، يواصل تصوير مشاهده في مسلسل "ليالي روكسي" (ورشة من الكتاب/ محمد عبد العزيز)، بدور حلاق اسمه "سلمو" يشارك في الأحداث التي تستعرض الواقع الاجتماعي والفني والسياسي في عشرينيات القرن الماضي، إلى جانب حكايته الخاصة بسبب زواجه من امرأة أخرى سرّاً عن زوجته، في خطّ فيه شيء من الطرافة، لكن "لا يمكن وصفه بالكوميديا" التي تتواجد بقوّة في عمله الثالث "ما اختلفنا" (مجموعة من الكتّاب/ وائل أبو شعر) بجزئه الثاني، حيث يحاول تقديم "كاراكتيرات" جديدة قدر الإمكان ضمن اللوحات المتاحة والشرط الفنّي، مضيفاً: "دائماً أبحث عن الاختلاف عمّا قدّمته سابقاً".
ويلفت الجراح إلى خفوت وتيرة الأعمال الكوميدية السورية في السنوات الماضية، بسبب انسحاب الصنّاع الكبار من انتاجها وبسبب ضعف هامش الحرية: "المُنتَج السوري هو في الأساس تصديري ليُعرض في محطات أخرى، لأنّ المحطات لا تستطيع تغطية تكاليفه. وهذا الأمر دفعنا إلى الدخول في دائرة مغلقة، فحتى الكاتب أصبح بعيداً من هذا النوع، لأنّ المنتج لا يستطيع تقديم ما يستحقّه لتقديم مادة فنية لائقة كالسابق، بالإضافة إلى أنّ الكوميديا تحتاج إلى مساحة واسعة من الحرية، الأمر المفقود حالياً".
ولعلّ الجراح استعاض عن هذا الخفوت الجماعي القسري، بخطوة فردية، إذ طرح في منتصف عام 2024 الحالي أغنية كوميدية ساخرة بعنوان "بلوك" لتنضمّ إلى مثيلة لها من إصداره، ما يدفع إلى سؤاله حول مدى تفضيله صيغة الكوميديان التقليدي الذي يقدّم المونولوغ إلى جانب التمثيل، ليجيب: "ليس التفضيل هو الأساس، بل الإمكانية، هل هي موجودة لدى الفنان أم لا، على غرار أسماء كثيرة سبقتني أمثال إسماعيل يس ورفيق سبيعي وشوشو وأبو سليم (صلاح تيزاني)... ومن جهة أخرى، ألاحظ أنّ الأغنية تتردّد على الألسن أكثر من المشاهد التمثيلية". ويلفت إلى أنّ السواد الأعظم من الأغاني يطغى عليه موضوع الحبّ، بينما يرى ضرورة وجود هذا النوع من الأغاني الناقدة الاجتماعية والطريفة.
محمّد خير الجرّاح يفتح دفتر حياته لـ"النهار"
هل تذكر تجربتك التلفزيونية الأولى؟
كان ظهوري الأول على الشاشة في مسلسل "قلوب خضراء" (ريمون بطرس/ سليم صبري) عام 1993، ولكن التجربة الفعلية كانت لاحقاً في مسلسل "خان الحرير" (نهاد سيريس/ هيثم حقّي) عام 1994، ولكن قبل ذلك عملت كثيراً في المسرح، ضمن أعمال والدي الفنان والمسرحي الراحل عبد الوهاب الجرّاح، ثمّ مع "فرقة المهندسين المتّحدين".
كم بلغ أجرك الأوّل؟
8 آلاف ليرة سورية.
من هم الفنّانون الذين تركوا بصمة في مسيرتك وحياتك؟
المخرجان بسام الملا وهشام شربتجي.
هل تشاركنا ذكرى مع أحدهما؟
في بداية عملي مع بسام الملا خلال مسلسل "ليالي الصالحية" (سلمى اللحام وأحمد حامد)، كنا نخوض سجالات حادة كوني حلبيّاً، بينما هو يعتمد قاعدة حصر الأدوار في المسلسلات الشامية بالممثلين الدمشقيين، فأخبرته بأنّه إذا أراد اللهجة فليأتي بأيّ شخص من حارات الشام القديمة، لكنّه لن يحصل على النتيجة التي يقدّمها الممثل، وبالفعل استطعت تغيير وجهة نظره وإقناعه، فأتى لاحقاً بممثلين من خارج دمشق إلى سلسلة "باب الحارة".
لو أردنا اختيار 3 أعمال من أرشيفك لنعتبرها الأفضل أو الأقرب إلى قلبك... ماذا تختار؟
من الصعب الاختيار فعلاً، لكن سأصيغ الأمر على الشكل الآتي: أكثر أعمالي تكاملاً هو "الخربة" (ممدوح حمادة/ ليث حجو)، والمسلسل السبب في شهرتي العربية هو "باب الحارة" عبر شخصية "أبو بدر" الذي شكّل علامة فارقة في مسيرتي، والعمل الثالث هو "بقعة ضوء" في الأجزاء التي أخرجها ليث حجّو بسبب "الكاراكتيرات" المنوّعة الكثيرة.
إلى من تستمع من المطربين؟
كثيرون، على سبيل الذكر لا الحصر، فيروز، أم كلثوم، وديع الصافي من الجيل القديم، وأصالة نصري وشيرين عبد الوهاب وكاظم الساهر من الحالي، طبعاً هناك أسماء أخرى لا سيّما من حلب أمثال سمير جركس وحمام خيري نهاد نجار...
من فضلك رتّب الصفات الآتية وفق الأولوية بحسب محمّد خير الجرّاح: الفنّان، الزوج، الأب.
هنا الترتيب سهل جدّاً: الأب، الزوج، ثمّ الفنان، وقبل كلّ ذلك الإنسان.
ما رأيك في ظهور ممثلين سوريين على تطبيق "تيك توك" بغرض التكسّب المادي؟
قد يكون لدى البعض مبرراتهم لدخول هذا العالم بسبب ضعف إيرادات أعمالهم، فاتجهوا إليه لمحاولة تغطية مصاريف حياتهم، لا أستطيع لومهم، ولكن في الوقت عينه، لا أستطيع مباركة خطواتهم، بالعامية لا أستطيع القول لهم "يعطيكم العافية". ولا بدّ هنا من الإشارة إلى الامتهان الذي يمارسه بعض أرباب العمل والمنتجين في حقّ فنانين غير محميّين في سوريا، ما يدفعه إلى سلوك اتّجاهات ربّما لا يحبّذها لتأمين معيشته. من جهتي، أتمنى ألّا أقع في هذا المطبّ، وسأحرص دائماً على تطوير ذاتي والحفاظ على كرامتي كإنسان وكفنان، بعيداً من اللجوء إلى "تيك توك" وما شابهه.