تولّد عبارة "الحنين إلى الماضي" الشعور نفسه لجميع الأجيال، هناك دوماً هذا "النفس العميق" لدى متابعتنا إعلاناً أو فيلماً أو مسلسلاً أو حتى عرضاً يُعيد الذكريات التي تخرج منّا ابتسامة خجولة تكسر سوداوية ظروفنا. بالنسبة إلي، وأنا أعيش في بلد معذّب اسمه لبنان، يجذبني عبق الذكريات... جميع الذكريات وعرض "فيكتوريا سيكريت" واحد منها.
في لبنان، لم نعد نألف النوم في انتظار إنذار أو دوي انفجار. تابعت فجر 15 تشرين الأول (أكتوبر) العرض المباشر لعودة العرض السنوي لدار "فيكتوريا سيكريت" في مدينة نيويورك الأميركية، بعدما توقّفت عروضه في عام 2019.
أتى انتظار هذه العودة بعدما وعدت الشركة الأم للعلامة التجارية "إل براندز" بوضع استراتيجيتها التسويقية ضمن أولوياتها بعد تراجع سوق المبيعات واتهامها بالتمييز الجنسي والافتقار إلى التنوع والشمولية، لتتجه الأنظار إلى إطلالات أشهر عارضات الأزياء في العالم وأجنحة الملاك وتبدأ العملية التقييمية لمدى صدقية وعود الشركة، فالحدث عالميّ بامتياز.
متابعة العرض كانت مباشرة عبر "برايم فيديو" بالتعاون مع "أمازون"، إضافة إلى حسابات "فيكتوريا سيكريت" على منصات التواصل الاجتماعي.
ألق النجمات
بإطلالة وردية، أطلّت عارضة الأزياء الفلسطينية الأصل جيجي حديد، وحلّقت بجناحي الريش بثقة عمياء وابتسامة الرضا، وزّعت القبلات وأدّت الـ Cat Walk. أدّت كما كشفت قبل ساعات من بدء العرض، حركة اليد الشهيرة التي تعلّمتها من صديقتها المغنية العالمية تايلور سويفت. وسحرت الجمهور بإطلالة أخرى باللون الأحمر، فيما كانت المغنية شير تؤدي أغنيتها "Believe". المؤكد أن جيجي حديد خطفت الأنظار وشاركتها مع شقيقتها بيلا حديد التي كانت ساحرة أيضاً بالأحمر وجناحي الفرو.
صدح صوت تايرا بانكس، العائدة على مسرح عرض الأزياء بعد اعتزاله في عام 2005 لتقول عبر الميكروفون: "عرض جديد تماماً من فيكتوريا سيكريت، حيث تمسك النساء زمام الأمور وتصبحن تحت الأضواء."
عارضات رائدات
أشهر عارضات الأزياء سجّلن حضورهن وجسّدن النوستالجيا التي أتينا على ذكرها منهن: أدريانا ليما التي تحمل الرقم القياسي لأكثر عدد من العروض، جوان سمولز، أليساندرا أمبروسيو، بيهاتي برينسلو، جاسمين توكس، إيرينا شايك، إيمان همام، كيت موس، كارلا بروني، آشلي غراهام، بالوما إلسيسر.
لفتني ما قالته أليساندرا أمبروسيو بأنها لم تتخيّل أنها قد تقوم بهذا العرض مجدداً: "أن أستعيد هذين الجناحين أمر مدهش، لقد كان لقاء ملائكة فيكتوريا جميل جداً لا سيّما أنها سنحت لنا لمناقشة الكثير من المواضيع الحياتية والتكلّم عن أولادنا". ومن ثمّ ذكرت: "ابنتي أنجا تبلغ من العمر 16 عاماً، تعلم كيفية أداء الـ Cat Walk، لنرى ما تريد أن تصبح عليه في المستقبل، لن أقف في طريقها".
مشاركة للمرة الأولى في تاريخ عروض "فيكتوريا سيكريت" تجسّدت في حضور عارضتي الأزياء المتحولتين جنسياً أليكس كونساني وفالنتينو سامبايو. وتأتي هذه المشاركة بعد تصريح مدير التسويق السابق في الشركة، إد رازق، لمجلة فوغ، نال ردود فعل غاضبة، إذ قال منذ سنوات إن العارضات "المتحولات جنسياً" ليس لهن مكان في عروض أزياء الشركة، ليعود ويعتذر ويغادر الشركة.
واقع أكثر شمولية
ولأنّ صوت المرأة وصورتها كانتا محور العرض، أحيت الحفل المغنيات شير، وليسا العضو في فرقة "بلاك بينك"، والأفريقية تيلا بعدما شارك فنانون رجال في العروض السابقة.
وفي نظرة شاملة إلى العرض، لا يزال الإرث المتمثل في دعم معايير جمال غير واقعية وحصرية حاضر في العام 2024، ولا يزال معيار الجمال هو النحافة حتى لو أتت المحاولات لكسر هذه الصورة والتغني بمشاركة عارضات الأزياء الممتلئات أمثال آشلي غراهام وبالوما إلسيسر.
لكن أمام هذه الملاحظة، كان سحر عارضات الأزياء اللواتي في العقد الخمسين من عمرهن لافتاً، أمثال إيفا هيرزيغوفا (51 عاماً)، كيت موس (50 عاماً)، كارلا بروني (56 عاماً) التي حرصت على الإشارة إلى اختصار التوصيف لهذه الخطوة قائلة: "شكراً جزيلاً "فيكتوريا سيكريت" على منحي أجنحة جديدة في سني المتقدم...".
لقد جسّد هذا العرض تماماً وجه العلامة التجارية الجديد، أصبح الآن أكثر شمولية وتنوعاً ولو وردت كلمة "لكن".