يسعى العلم بشكل حثيث إلى تقليص حيزّ الاستثناء في المهارات الاتصالية، الذي يرى فيه بعضهم فارقًا بينهم وبين المخلوقات الأخرى. فبحسب "إكونوميست" البريطانية، كشفت دراسة أخيرة قام بها مايكل باردو وفريقه، أن الفيلة تستخدم نظامًا يشبه الأسماء العشوائية التي يبتكرها البشر للتعرف بعضها على بعض.
يقول بادرو، عالم البيئة السلوكية في جامعة كورنيل في إيثاكا بنيويورك، في الدراسة التي نشرتها مجلة "طبيعة البيئة والتطور"، إن الدلافين تستخدم صفرات خاصة لتقليد أصوات نظيراتها، وتكرّر طيور الببغاء زقزقة طيور أخرى، "إلّا أن الفيلة لا تعتمد تكرار أصوات الحيوانات الأخرى".
قام باردو، المتخصص في جامعة ولاية كولورادو، بدراسة مجموعتين من الفيلة في كينيا، حيث قام إين دوغلاس هاميلتون وفريقه منذ عام 1997 بمراقبة مجموعة في سامبورو، ومجموعة أخرى في أمبوسيلي منذ عام 1972 تحت إشراف سينثيا موس. هذه الدراسات، بالإضافة إلى الأبحاث السابقة التي قام بها دوغلاس هاميلتون في تنزانيا وأوغندا، تعدّ أساسية في إظهار أن الفيلة من بين أذكى الكائنات الحية.
تفاصيل رنينية
وبحسب التقرير، لا تتسمّ الأسماء التي تصفها الورقة البحثية بوضوح كأسماء بشرية أو صفرات الدلافين، بل تتمثل في تفاصيل الأصوات الرنينية المنخفضة التردّد، التي تشكّل جزءًا أساسيًا من نظام التواصل بين الفيلة. فهي تستخدم هذه النداءات الرنينية، التي تؤدي إلى اهتزازات في الأرض تصل لكيلومترات عدة، للبقاء على اتصال مع أفراد المجموعة التي قد تكون خارج نطاق الرؤية. كما يُصدر هذا النوع من النداءات عند تبادل التحيات، ويُوجَّه بانتظام من جانب الإناث نحو الصغار في "المجموعات الماتريلينية، التي تشكّل الهيكل الأساسي لمجتمع الفيلة".
استخدم باردو وفريقه تسجيلات تاريخية من أمبوسيلي، وتسجيلات خاصة جمعوها من سامبورو، لتحليل آلاف المحادثات، ثم استخدموا بروتوكول تعلّم آلي لتحليلها وتحديد الأنماط فيها. وكما هو الحال مع صفرات الدلافين، كان معروفاً أن أصوات الفيلة قابلة للتعرف على المستوى الفردي. لذا، كان الهدف تحديد ما إذا كان المتصل يقلّد المتلقّي عند التواصل معه.
صيغة موحّدة
أظهرت البرمجيات أن المحادثات بين الفيلة تتميز بأنها تُوجّه نحو متلقٍ محدّد. هذا الأمر ظهر من خلال نقاط عدة: أولاً، يمكن التنبؤ بالمتلقي من خلال الطيف الصوتي للرنين الذي يصدره المتصل. ثانيًا، كانت الرنات التي يُوجّهها متصل معين إلى متلق معين تأتي في سياق واحد، مقارنة بتلك التي يُوجّهها المتصل إلى فيلة أخرى. ثالثًا، كانت ردّات فعل الفيل المتلقن أقوى تأثيرًا عند إصغائه لتشغيل محادثات كانت موجّهة أصلاً إليه، مقارنة بالتي كانت موجّهة إلى فيل آخر.
إلى ذلك، تشير البحوث إلى أن المحادثات التي يوجّهها مختلف الفيلة إلى متلقٍ واحد تكون أكثر تشابهاً بعضها مع بعض، ما يدلّ إلى أن الفيلة تستخدم "صيغة" واحدة لمحادثة هذا الفيل المتلقّي، وهذه الصيغة هي "اسمه".
ويزيد هذا من الأدلة التي تشير إلى أن ذكاء الفيلة يوازى بشكل كبير ذكاء الإنسان، ما يجعل الإبادة الجماعية التي تتعرّض لها هذه الكائنات من البشر أمراً مروعاً جداً.