إن كنا نحن العرب نرى في الغراب نذير شؤم، فالأمر مختلف في اليابان. فالغراب يحتل مكانة رفيعة ومميزة في الثقافة اليابانية، حتى كان يُعبد قديماً في بعض الأضرحة. ولا يرى فيه اليابانيون شؤماً، إنما جعلوه أحد مكونات شعار الاتحاد الياباني لكرة القدم، متفائلين به بشارة فوز.
لكن الناس في طوكيو اليوم ترفع الصوت، شاكيةً تزايد عدد الغربان الكبيرة الحجم التي يصعب التعايش معها. فهذه الطيور الذكية تمثل تهديداً فعلياً للسكان في العاصمة اليابانية، تحديداً في أيام جمع النفايات، بحسب تقرير نشره موقع "سورا نيوز 24".
فعندما يضع الناس أكياس قمامتهم على الرصيف المقابل لمنازلهم، "يتحول هذا الرصيف جنةً لهذه الغربان، التي تحطّ على أكياس القمامة بالمئات، فتمزقها بمناقيرها الكبيرة وتنبش ما فيها، فتعمّ الفوضى، وتنتشر الروائح الكريهة، ويتعذّر على السكان طردها، فهي كثيرة العدد كبيرة الحجم، وتشكّل خطراً على السلامة العامة"، بحسب الموقع نفسه.
وجد أهل طوكيو حلاً ظنوه ناجعاً لهذه المشكلة: غطّوا أكياس القمامة بشبكة خاصة، تصعّب على الغربان تمزيق الأكياس. نفعت هذه الخطة في بادئ الأمر، "لكن الغراب ذكي، عرف كيف يسحب كيس القمامة من تحت الشبكة، ليتمتع بوليمته".
وفي حي أداتشي بقلب طوكيو، تبذل السلطات المحلية جهوداً مضنية لحلّ هذه المشكلة مع الغربان الضخمة المزعجة.
وبحسب الموقع نفسه، كشفت دراسة مثيرة عن ملاحظات مدهشة بشأن سلوك الغربان. فخلافاً للاعتقاد السائد، "تُظهر هذه الطيور الذكية احترامًا عميقًا للمسافة الشخصية، متجنّبة الاتصال المباشر مع الأشياء". فانتهز المسؤولون في بلدية المدينة هذه المعلومات، وعلّقوا فُرَشاً فوق القمامة لتكون حاجزاً تمنع الغربان من الوصول إلى الأكياس. في البداية، تردّدت الغربان في الاقتراب من هذه العوائق الجديدة، لكنها تكيّفت تدريجيًا معها بمرور الوقت، لتسـتأنف نشاطها اليومي بشكل طبيعي، ما يبرز قدرتها المدهشة على التكيّف مع التغيّرات البيئية، وعلى استعادة سلوكياتها الطبيعية متجاوزة كل العراقيل.
في ملاذ أخير، استُدعيت مؤسسة "كرولاب" (CrowLab) المتخصصة في التعامل مع أضرار الغربان في مدينة أوتسونوميا، بمحافظة توتشيغي. فبعد دراسة مستفيضة لسلوك الغراب دامت 20 عاماً، وبعد جمع أكثر من 10 آلاف نموذج صوتي من نعيق الغربان، طوّرت هذه المؤسسة نظام "كروكونترولر" (CrowController) الذي يُبعد الغربان عن المناطق الحضرية باستخدام مكبرٍ للصوت صغير الحجم، يبث نعيقاً سجّله باحثو "كرولاب" عندما استخدمه الغربان تحذيراً من خطر داهم، مثل وجود قط أو أي طير جارح، وذلك في خلال فترة تجريبية استمرت بين حزيران (يونيو) وأيلول (سبتمبر) من العام الماضي. فقد كانت الغربان تنعق هذا النعيق تحديداً لتنبيه الغربان الأخرى من أن "المنطقة غير آمنة".
كان الأثر فورياً وناجعاً. فحين أطلق الجهاز الصغير هذا النعيق المسجّل قرب نقاطٍ لجمع القمامة كانت تهاجمها الغربان الكبيرة الحجم، تراجعت هذه الهجمات بشكل ملحوظ.
يضيف تقرير موقع "سورا نيوز 24" أن الأثر الإيجابي لهذا الجهاز لم يقتصر على ترويض الغربان وتخويفها وإبعادها عن أكياس القمامة فحسب، "إنما حسّنت سلوك البشر أيضًا، إذ يسمع الناس هذا النعيق المسجّل فيظنون أن الغربان قريبة، فيكونون أشد حرصًا على توخي الحذر عند وضع أكياس القمامة أمام أبواب منازلهم".
لكن... هل ينخدع غربان طوكيو بهذا النعيق "المقلّد" طويلاً؟ هذا ليس مضموناً.