النهار

من سائحة إلى مربية جِمال: رحلة أورسولا موش من ألمانيا إلى واحة الإمارات
ياسمين الناطور
المصدر: النهار العربي
لم تتخيّل أورسولا موش يوماً أن تترك بلدها لتستقرّ في دولة الإمارات وتصبح صديقة الجِمال. قصة هذه المرأة الألمانية بدأت بزيارة دبي عام 1988 سائحةً. كانت تنوي الاستمتاع على الشاطئ وقراءة بعض الكتب، إلّا أنّ ثمّة ما جذبها؛ أحبّت البلاد وناسها وسحرتها حضارتها. ​
من سائحة إلى مربية جِمال: رحلة أورسولا موش من ألمانيا إلى واحة الإمارات
.
A+   A-
 
لم تتخيّل أورسولا موش يوماً أن تترك بلدها لتستقرّ في دولة الإمارات وتصبح صديقة الجِمال. قصة هذه المرأة الألمانية بدأت بزيارة دبي عام 1988 سائحةً. كانت تنوي الاستمتاع على  الشاطئ وقراءة بعض الكتب، إلّا أنّ ثمّة ما جذبها؛ أحبّت البلاد وناسها وسحرتها حضارتها.
 
لم يكن بمقدورها الهرب من القدر، خصوصاً بعدما تعرّفت الى مجموعة من الأسر العربيّة. قصّ هؤلاء على مسمعها الكثير عن الحياة الإماراتية وتقاليدها، ومنذ تلك اللحظة شعرت أورسولا أنّ تفكيرها وعقلها استقلّا الطائرة نحو الأرض الجديدة قبل جسدها.
 
فترة زمنيّة محدودة مضت، قرّرت خلالها أن تبيع محلّ والدها في ألمانيا. خضغت لدروس مكثّفة في اللغة العربية، واتّجهت إلى مدينة الأحلام، دبي. وما كانت هذه النقلة إلّا بداية جميلة غير متوقّعة، يوم قدّم إليها مواطن إماراتيّ أول جَمل هديةً. حدثٌ بدأ معه شغفها  بتربية الحيوان الصحراويّ البديع. تعلّمت أصول المهنة حتّى أصبحت اليوم تمتلك مزرعة إبل خاصة بها خارج دبي، وتحديداً في وادي سيح السلم، وتحتفظ بأكثر من 30 جملاً مع قطيع صغير من الماعز.
 
لم تكتفِ أورسولا بتربية الجِمال، بل حوّلت مزرعتها وجهة للزوّار كي يعيشوا تجربة حياة المزرعة الأصيلة؛ تجربة مكثّفة تبدأ بتذوّق الطعام الإماراتي والاستمتاع بغروب الشمس على الكثبان الرملية، ولا تنتهي بشرب القهوة المَحَلّية.
 
 
 لم تواجه الألمانيّة المفتونة بدبي صعوبةً في البدايات، هكذا تقول  لـ"النهار العربي": "الأرض والثقافة والتقاليد، كلها بدت بالنسبة إليّ مألوفةً". على أيّ حال، كانت فكرة الانتقال إلى الإمارات العربية المتحدة بشكل عام تراودها منذ مجيئها في المرة الأولى إلى البلاد. "لم أصِل بعيونٍ بريئة"، تقول، "بل توقّعت ما كان سيحدث".
 
الجِمال مصدر راحتها، وبعد يوم مرهق، تلجأ إليها، أفلا يقول العرب "إنّ الجمل ليس حيواناً، ولكنّه إنسان"؟
 
"لو تعاملتم مع هذه الحيوانات كما أفعل، لفهمتم المقولة"، تُخبر أورسولا، "لقد كان الجمل بمثابة الغذاء الأساسي للعائلات في الجزيرة العربية، موفّراً لهم الحليب واللحم؛ غير أنّه كان أيضاً وحشاً ثقيلاً في الوقت نفسه، سرعان ما تطوّر مع تربية سلالات مختلفة من مناطق مختلفة من الجزيرة".
 
لا تقتصر حياة أورسولا على تربية الجِمال والاهتمام بالمزرعة فحسب، بل تماشت مع طبيعة الصحراء الخلابة واستكشفتها عندما اتخذت من قيادة السيارات في المناطق النائية الصحراوية هواية. قد يبدو هذا المشهد كئيباً ورتيباً لمن لا يعرفه، "فبالنسبة إليّ موجود دائماً بكلّ ظلاله وتلاعبه بالضوء"، تقول أوسولا مع النقاط الخضراء في الربيع، والشمس الحارقة في الصيف وأشعة الشمس الخريفية المختلفة، خصوصاً عند بدء العاصفة الرملية التي ترسم على رمال الصحراء قصصاً تروى عن الحياة والخليج. 
 
تجذبها كل عوامل الجذب التي صنعها الإنسان وتؤكد أنّه يجب على السياح أن يجدوا الوقت لتجربة الجمال الطبيعي للصحراء، بغضّ النظر عن الوقت من السنة وطبيعة الطقس. وترى أنّه يجب على السائحين أيضاً التعرّف الى التقاليد القديمة للإمارات، لهذا دائماً ما تعطي الضيوف في مزرعتها إحساساً بالحياة الصحراوية البدوية خلال أمسياتها الليليّة من خلال الأثاث والأناقة الأصيلة وإعطاء نظرة ثاقبة للحياة من خلال القصص وخبرتها في الإمارات. 
 
أمّا مقارنة الحياة الأسرية في الإمارات بالحياة الأوروبية فاختصرتها بإعجاب، فللأسرة أهمية ودور كبير لم تلقه في أوروبا. تربية الأطفال مع مراعاة العادات والتقاليد أمر صعب للغاية ومع هذا يتمّ الاعتناء بهم لبقية حياتهم، إن كان ذلك من خلال أسرهم أو من قبل أزواجهم أو من الدولة.
 
 حتى حياة المرأة الإماراتية دائما ما تُدهش السائحين حين تتكلم عنهم في أمسياتها الصحراويّة، فهي تعكس صورة بلادها بطريقة عصرية غير متخلية عن العادات العربية. وصلت إلى مراتب عالية في البلاد على عكس ما يشاع عن أنّ المرأة العربية لا صوت لها، فهذا كله هنا على أرض الإمارات مختلف، ما جعلها تشعر بالانتماء والحب والتقدير. هذا ما يتيح مكاناً لجميع النساء العربيات والأجنبيات وهي واحدة منهنّ، وباتت اليوم تمثل التقاليد الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة. 
 

اقرأ في النهار Premium